إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

الكلام في بيان أن القرءان في أعلى طبقات الفصاحة

صفحة 205 - الجزء 1

  إحداهما: أضعف الحالات.

  والأخرى: أقواها.

  ثم نبَّه على ما بينهما. فجمع في الآية وجهين من الإيجاز:

  أحدهما: تقليل الحروف.

  والثاني: حذف الوسائط بين الحالتين، مع جزالة اللفظ، وحسن المعنى، ثم [لما] أراد ø بسط هذا المعنى قال: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الانسان مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ١٢ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ١٣ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ١٤}⁣[المؤمنون].

  وهذا باب كبير من الفصاحة، لأن البليغ هو الذي يبسط الكلام إذا شاء بسطه من غير خطل، ويرخي عنان الخطاب، ويتمطى ظهر الاطناب، ويوجز إذا شاء الإيجاز من غير تحيف للمعنى.

  وحكي عن بعض الفصحاء أنه وصف كاتبا بالبلاغة، فقال: «إن أخذ طوبارا ملاه، وإن أخذ شبرا كفاه»، يريد: أنه كان يبسط إذا شاء، ويوجز إذا شاء.

  ومن هذا الباب قوله ø: {إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ ٤١ مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ٤٢}⁣[الذاريات]،