إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

الكلام في ذكر ما في القرءان من الإخبار عن الغيوب

صفحة 253 - الجزء 1

  يجوز أن تكون الأمارات مما يظهرها الله ø على مجرى العادة لكل ناظر. هذا إن صح ما يُدَّعا من ذلك. وليس الاخبار عن الغيوب التي يتضمنها القرءان مشابهاً لشيء من ذلك، فبان وصح أنه وارد من عند علام الغيوب.

  فإن قيل: ما أنكرتم على من قال لكم: يجوز أن يكون النبي ÷ ظفر ببعض أحوال الأنبياء المتقدمين صلى الله عليهم عن تلك الغيوب، فادعاه لنفسه؟!

  قيل له: لا يخلو وقوع ما سألتم عنه إليه ÷ إن كان على ما ذكرتم - ومعاذ الله من ذلك - أن يكون على طريق التواتر أو على طريق الآحاد، ولا يجوز أن يكون على سبيل التواتر، لأن ذلك يوجب كون تلك الأخبار ظاهرة في زمانين بين أهل الكتاب. والمعلوم خلاف ذلك.

  ولا يجوز أن يكون وقوعه على طريق الآحاد، لأن ذلك مما لا تسكن النفس إليه، ولا يجوز أن يعتمده العاقل في بناء الأمر عليه، على ما بيناه في نظائره فيما تقدم من كلامنا في هذا الكتاب.

  فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون النبي ÷ سمع تلك الأخبار ممن شاهده ورءآه، واتفق صدقه بما شاهده من معجزاته فأظهرها، وادعا أنه عرفها بالوحي؟

  قيل له: لو كان ذلك كذلك، لوجب على الله ø المنع منه، بأن يحول بينه وبين سماعها، وبينه وبين إظهارها، أو بأن يُظِهر تلك