[قرآن مسيلمة الكذاب]
  فأبلغت الحكاية المتنبئ، فقال: هلا وهبه لقولي:
  وحسن الصبر زموا والجمالا
  وابن المقفع أسوأ حالا من المتنبئ، لأنه ليس لكلامه من الحسنات ما يوهب له السيئات. فتأملوا - رحمكم الله - كيف جاء إلى ألفاظ القرءان، لأن {غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ}[المجادلة: ١٤] من ألفاظ القرءان، وأنه {خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ١٣}[المجادلة] من ألفاظ القرءان، وكذلك قوله: «أولئك لا يجدون وليا ولا هم ينصرون» كله من ألفاظ القرءان، إلا أنه حرَّف وغيَّر وأفسد اللفظ، وسلبه حسنه بتغيير النظم.
  وكذلك قوله: «ومنهم من يتخذ من دون الله أندادا رجما بالغيب أولئك وراءهم» كل ذلك من ألفاظ القرآن. وليس له من الزيادة في هذا إلا قوله في أوله: «يزعمون أن الشك في غير ما يفعلون»، وهذا كلام مبتذل من ألفاظ العامة والسوقة، لأن إرادتهم نفي الشك عما كانوا يفعلون، فلم يصرح به، وإنما أثبته في غير ما يفعلون.
  ولعمري إن الفصيح قد يعدل عن التصريح إلى التلويح، لكن على وجه يكون أبلغ من التصريح، وبألفاظ تكون أجزل من ألفاظ التصريح، ويكون ذلك لغرض صحيح. وذلك مثل قول الله تعالى: