إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

[قرآن مسيلمة الكذاب]

صفحة 107 - الجزء 1

  على أن كلام ابن المقفع إذا لم يدَّع أنه يعارض القرءان ليس من هذا الجنس، بل هو من كلام الفصحاء.

  فإن قيل: فكيف يجوز أن يُجوّد كلامه إذا قصد غير معارضة القرءان، ويسقط إذا أرادها، إلا أن يقولوا بالصرف؟!

  قيل له: هذا مما نبيِّنه ونوضحه في الفصل الذي نبين أن الاعجاز تعلَّق بالنظم والفصاحة جميعا، وستجده إن شاء الله هناك شافيا كافيا.

  ومن كلام هذا الجاهل - أعني ابن المقفع -: «ألا إن الذين اتخذوا إلها من دون الواحد القهار، لبئس ما يصنعون، ولا تكونوا كا لذين آمنوا، ولم يثمر إيمانهم لظلمهم، أولئك عليهم غضب من ربهم وهم لا يهتدون»، والكلام في هذا كالكلام فيما تقدم، الألفاظ كلها ألفاظ القرءان، حرَّفها وأفسدها بالتقديم والتأخير، والتبديل والتغيير، ثم جاء إلى قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ}⁣[الأنعام: ٨٢]، فغيَّره بأن قال: «الذين آمنوا ولم يثمر إيمانهم لظلمهم»، فجاء إلى ذلك النظم الشريف الرائع فنقله إلى النظم العامي.

  ألا ترى أن قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ}، جرى على منهاج وطريقة واحدة. فإنه جعل الفعل في الأول والآخر للذين آمنوا، فاتسق الكلام أحسن الاتساق، وانتظم أحسن الانتظام.

  وهذا الغبي جعل الفعل الأول للذين آمنوا، والفعل الثاني لإيمانهم، لأنه قال: «لم يثمر إيمانهم»، فحصل في الكلام بعض الاضطراب.