الكلام في بيان أن الإعراض عن المعارضة إنما كان للتعذر
  فإن قيل: إن القوم كانت لهم صوارف صرفتهم عن الاشتغال بالمعارضة. فقابلت تلك الصوارف تلك الدواعي التي دعتهم، ولا يمتنع في الدواعي والبواعث أن تقابلها الصوارف، فلا يحصل الفعل الذي دعت الدواعي إليه، وإن كان ممكنا غير متعذر؟!
  قيل له: لا سبب إلى ادعاء صوارف مجهولة، ولا صوارف غير معلومة. لأن ذلك يؤدي إلى أن لا يمكن الفصل بين ما يتعذر فعله علينا، وما لا يتعذر.
  فإذا ثبت ذلك، فالصوارف المعلومة لا تخلو من وجوه نذكرها:
  إما أن تكون طلبتهم الراحة، وفرارهم من التعب الذي يلحقهم بالاتيان بالمعارضة، أو إيثارهم الابقاء عليه صلى الله عليه وآله حشمة له، وكراهة لمكاشفته، واستشعارهم خوفه وخشيته، واستهانتهم به، واشتغالهم بالحروب، أو ظنهم أن غير المعارضة أجدى عليهم، وأدنى إلى مرادهم.
  ولا يصح أن يقال: إن القوم مالوا إلى طلب الراحة، من الاشتغال بالمعارضة، لأنهم قد باشروا بمعاداته صلى الله عليه وآله أمورا هي أكثر تعبا، وأشد نصبا، وأعظم خطرا من المعارضة.
  فإنهم بذلوا الأموال والمُهج، وحاربوا حتى قَتَلوا وقُتلوا، وفرَّقوا كلمة العشيرة، وقطعوا الأرحام القريبة، وواصلوا أولي الأسباب