الكلام في بيان أن الإعراض عن المعارضة إنما كان للتعذر
  البعيدة، ولا يخفى على أحد من العقلاء أن المعارضة لو أمكنتهم كانت تكون أقوى مشقة، وأقرب متناولا، وأيسر مطلبا، وأذهب مع الراحة، وأدنى إلى السلامة.
  ولا يصح أن يقال: إنهم آثروا الابقاء على رسول الله صلى الله عليه وآله واحتشموه وكرهوا مكاشفته، لأن القوم لم يَدَعُوا من قبح معاملته # بابا إلا قرعوه، بل وَلَجُوه. حتى حملوا أَختَانه على طلاق بناته صلى الله عليه وآله، فقالوا: نشغله بهن حتى لا يتفرغ إلى ما هو فيه، فأجابهم إلى ذلك عتبة وعتيبة ابنا أبي لهب، وردهم أبو العاص بن الربيع.
  وقالوا لأبي طالب: ندفع إليك فتى قريش وأصبحهم وأفصحهم عمارة بن الوليد بن المغيرة لتتبناه، وتدفع إلينا محمدا فنقتله. فقال أبو طالب: بئس الرأي رأيتم لي، آخذ ولدكم للتربية، وأُسَّلم ولدي للقتل
  ! وكتبوا الصحيفة على بني هاشم وبني المطلب على ألا يؤووهم، ولا ينكحوهم، ولا ينكحوا إليهم، وأجلوا كثيرا من أصحابه صلى الله عليه وآله إلى المهاجرة إلى الحبشة وإلى المدينة، واجتمعوا في دار الندوة يدبرون عليه، كما حكى الله تعالى ذلك عنهم بقوله تعالى: