إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

الكلام في بيان أن الإعراض عن المعارضة إنما كان للتعذر

صفحة 125 - الجزء 1

  {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ٣٠}⁣[الأنفال].

  وهذا يسير من كثير مما عاملوه به صلى الله عليه وآله، بل طلٌ من وابل، بل وشل من بحر. فكيف يظن بهم أنهم آثروا الابقاء عليه؟!

  ولا يصح أن يقال: إن القوم تركوا المعارضة خوفا له ولأصحابه، وخشية لهم، لأن جميع ما قدمنا يدل على أن القوم لم يخافوه، ولم يحذروا جانبه.

  ولا يصح أن يقال: إنهم أعرضوا عن حديث المعارضة استهانة به صلى الله عليه وآله، وقلة اكتراث بأحواله، لأن جميع ما قدمناه يبين أن القوم كانوا مهتمين بأمره، بل كانوا قد جعلوا الاشتغال [به] أوكد مهماتهم، ثم الحروب التي جرت بينهم وبينه صلى الله عليه وآله بعد مهاجرته إلى المدينة، توضّح جميع ما قلناه من أنهم لم يحتشموه، ولم يخافوه خوفا يصرفهم عن إيحاشه، ولم يستهينوا به استهانة دعتهم إلى ترك الفكر فيه، والانشغال بأحواله.

  ولا يصح أن يقال: إن اشتغالهم بالحروب صرفهم عن المعارضة، وأقطعهم دونها، وصدهم عنها، لأنه كان بين مبعثه صلى الله عليه وآله وأول وقعة عظيمة وقعت بينه وبينهم وهي وقعة بدر نحو من خمسة عشر سنة. فأين كانوا طول هذه المدة؟!