الكلام في بيان أن الإعراض عن المعارضة إنما كان للتعذر
  ثم كان بين وقعة بدر ووقعة أحد نحو سنة، ثم من بعد ذلك أيضا لم تكن الوقائع بحيث لا تنفس، ولا ترجيئ من الأعنة، وكثير من تلك الوقائع هم الذين كانوا يبتدأونها.
  فهل عدلوا عنها إلى المعارضة لوكانت ممكنة لهم؟! على أن الحروب لا تمنع من المعارضات، وهذا واضح.
  ولا يصح أن يقال: إنه خفي عليهم أن المعارضة أجدى عليهم، وأدنى إلى ما طلبوه من توهين أمره، لما بيناه من قبل أن ذلك مما لا يجوز أن يخفى على المراهقين، فضلا عن العقلاء، وأن العلم بذلك من علوم الضرورة.
  فإن قيل: ما أنكرتم أن تكون الدواعي دعتهم إلى تكذيبه وإبطال دعواه، وتوهين أمره دون معارضة إذ كان ذلك غرضهم ومرادهم؟ فمن أين لكم أن الدواعي دعتهم إلى المعارضة؟!
  قيل: قد علمنا أن الداعي إلى الشرع داعٍ إلى أبلغ ما به يُتوَصَّل إليه سبحانه، إذ كان ذلك من أيسر الأمور وأسهلها في التوصل إليه. ألا ترى أن من دعاه عطشه إلى شرب الماء فإنه يدعوه إلى استدعائه إن كان ذلك أخف وأيسر، أو استعبابه إن كان ذلك أدنى وأسهل، أو اشترائه إن كان ذلك أهون وأقرب.