[خطبة الإمام زيد بن علي @ في أصحابه، يبين لهم سيرته في المخالفين له]
  المُنْكَرَ، وَلِمَن سَلَكَ طَرِيقَة الحَقِّ أن يَصْبِر عَلى مَرَارَةِ الحَقِّ. أيّها النَّاسُ رِعُوا(١) في أَدْيانِكم، وتَزَوّدُوا خَيراً لآخِرَتِكُم؛ تَسْلَم لَكُم أدْيَانكُم، وَتَحسُنُ القَالَة فِيكُم. وَلا تَنَازَعُوا؛ فَتَفْشَلُوا، وَتَذْهَبَ رِيحُكُم. وَإيّاكُم العَصَبيةَّ وَالحَمِيَّةَ؛ [فَإنّهُما](٢) يُخْلِقَانِ الدِّينَ، وَيُورِثَانِ النّفَاقَ: خلّتَانِ لَيسَتَا مِنْ دِينِي وَلا مِنْ دِينِ آبَائِي. الكِتَابُ نَاطِقٌ، وَالرَّسُولٌ صَادِقٌ، وَالسَّبيلُ مَنْهَجٌ، وَالحَقُّ أبْلَجٌ، وَلِكُلٍّ في الحَقَّ سعَة، مَنْ حَارَبَنا حَارَبْنَاهُ، وَمَن سَالمنَاه سَالَمنَاهُ، والنَّاسُ عِندَنا كُلُّهُم آمِنُونَ، إلاَّ رَجُلاً نَصَبَ نَفَسَه لَنَا، أوْ رَجُلاً أعَانَ بمَالِه عَلينَا أو شَتَمَنَا أو نَالَ مِنّا، وَلو شِئتُ أنْ أقُولَ لَقُلْتُ: أوْ رَجُلاً قَال [فِينَا](٣) أو نَالَ مِنْ أَعْرَاضِنَا، وَلكن حَسْبُ كُلِّ امْرِئٍ مِنهُم مَا كَسَبَ، وَسَيَعْلمُ الذين ظَلَمُوا أيّ مُنْقَلَب يَنقَلِبُون»(٤).
(١) في (ب): عوا في أديانكم. والمعنى كونوا من أهل الورَع في أديانكم.
(٢) في (ب): إنهما.
(٣) ساقط في (ب).
(٤) هذا القول قد تمثّل به أئمّة العترَة يحفظونَه أو يختصرونَه وذلك من رغبَة بعض الشّيعَة في أعدائهِم على مرّ الزّمان لما حلّ بهِم من الظّلم والقَمع فأصبحَ مطمعهم النّيل من عدوّهم كيفمَا كان، فيُروى مثلُه عن الإمام صاحب الكُوفة محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طَالب $، (ت ١٩٩ هـ)، وقد قال أصحابُه بنفس مقالة أصحاب الإمام زيد بن علي @: «أما بعد، فَإِنَّهُ لَا يزَال يبلغنِي أَن الْقَبَائِل مِنْكُم تَقول: إِن بني الْعَبَّاس فَيْء لنا، نَخُوض فِي دِمَائِهِمْ، ونرتع فِي أَمْوَالهم، وَيقبل قَوْلنَا فيهم، وَتصدق دعوانا عَلَيْهِم، حكم بِلَا علم، وعزمٌ بِلَا روية. عجبا لمن أطلق بذلك لِسَانه، أَو حدث بِهِ نَفسه! أبكتاب الله حكم أم سنة نبيه صلى الله عَلَيْهِ اتبع؟ أَو بسط يَدي لَهُ بالجور أمل؟ هَيْهَات هَيْهَات، فَازَ ذُو الْحق بِمَا نوى، وَأَخْطَأ طَالب مَا تمنى، حق كل ذِي حق فِي يَده، وكل مدعٍ على حجَّته، ويل لمن اغتصب حَقًا، وَادّعى بَاطِلا، فلح من رضى بِحكم الله، وخاب من أرْغم الْحق أَنفه. الْعدْل أولى بالأثرة وَإِن رغم الجاهلون، حق لمن أَمر بِالْمَعْرُوفِ أَن يجْتَنب الْمُنكر، وَلمن =