[خطبة الإمام زيد بن علي @ في أصحابه، يبين لهم سيرته في المخالفين له]
= سلك سَبِيل الْعدْل أَن يصبر على مرَارَة الجور، كل نفس تسمو إِلَى همتها. وَنعم الصاحب القناعة. أَيهَا النَّاس؛ إِن أكْرم الْعِبَادَة الْوَرع، وَأفضل الزَّاد التَّقْوَى؛ فاعملوا فِي دنياكم، وتزودوا آخرتكم. «اتَّقوا الله حق تُقَاته وَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ». وَإِيَّاكُم والعصبية وحمية الْجَاهِلِيَّة؛ فَإِنَّهُمَا تمحقان الدّين، وتورثان النِّفَاق، خلَّتَانِ ليستا من ديني وَلَا دين آبَائِي رَحْمَة الله عَلَيْهِم. تعاونوا على الْبر وَالتَّقوى، وَلَا تعاونوا على الْإِثْم والعدوان، يصلح لكم دينكُمْ وتحسن الْمقَالة فِيكُم. الْحق أَبْلَج، والسبيل مَنْهَج، وَالنَّاس مُخْتَلفُونَ، وَلكُل فِي الْحق سعةٌ، من حاربنا حاربناه، وَمن سالمنا سالمناه، وَالنَّاس جَمِيعًا آمنون قَالَ فِينَا يتَنَاوَل من أعراضنا قلت؛ وَلَكِن حسب امرءٍ مَا اكْتسب، وسيكفي الله» [نثر الدر في المحاضرات: ١/ ٢٦١]، وبمثل ذلك تمثّل الإمام الرّضا الزّاهد عبدالله بن موسى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب $، (ت ٢٤٧ هـ)، قال أبو حيان التوحيدي: «صعد عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن منبر المدينة، وكان قد هم بالخروج، فبلغه أن بعض أصحابه تفوه بكلام فقال: إنه لا يزال يبلغني أن القائل يقول: إن بن العباس فيء لنا، نرتع في أموالهم، ونخوض في دمائهم، عزم بلا علم، وفكر بلا روية، وخطة يركبها الغاوون. عجباً لمن أطلق بذلك لسانه، وبسط به يده، أطمع في ميلي معه، وبسطي يدي بالجور له؟ هيهات، فاز ذو الحق بما يهوى، وأخطأ الظالم ما تمنى، حق كل ذي حق في يده، وكل ذي دعوى على حجته؛ لم يخطئ المنصف حظه، ولم يبق الظالم على نفسه؛ حق لمن أمر بالمعروف أن ينهى عن المنكر، ولمن سلك سبيل الحق أن يصبر على مرارة العذل؛ كل نفس تسمو إلى هتمها، ونعم الصاحب القناعة، ثم توارى عن الناس وأضرب عن الرأي والخروج» [البصائر والذخائر: ٢/ ٧٥]، وقريبُ من هذا الموقف حصلَ للإمام الدّاعي محمد بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب $، (ت ٢٨٧ هـ)، صاحب طبرستان، انظر [الفرج بعد الشدة للتنوخي: ٢/ ١٩٩]، وقد كان الإمام زيد بن علي @ نبراساً لأئمّة العترة بعده يتحرّون طريقَته ومِنهاجَه الكابرُ بعد الكابر، والأصلُ طريقُ الكتاب والسنّة، وهُم قُرناؤه.