خمسون خطبة للجمع والأعياد،

لا يوجد (معاصر)

[خطبة في التوحيد]

صفحة 11 - الجزء 1

  فاحذروا عباد الله: - من تشبيه الله بالمخلوقات، فمن توهم أن الله له مكان، أو أن له أعضاء، فإنه يكون عابداً لمن توهمه على هذه الصفات، ولا يكون من عبادة الله في شيء، بل تكون عبادته عليه وبالاً وعذاباً، ومن توهم أن الله خالق أفعال العباد كلها، حسنها وقبيحها، فإن عبادته تكون لمن توهمه، للرب الجائر الظالم الذي ينسب هذه الأفعال إليه، ولا تكون عبادة لله سبحانه وتعالى، ومن توهم أن الله يُرى فإنه يكون عابداً لمن ظن أنه يراه، ويلزم أن يكون في هذه الحالات مشركاً بالله، عابداً ومتكلاً على غير خالقه، مشبهاً لله بخلقه، وناسباً للفواحش إليه، ولذا قال تعالى في أهل النار: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ ٩٤ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ ٩٥ قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ ٩٦ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ٩٧ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ٩٨}⁣[الشعراء: ٩٨]. قال أمير المؤمنين علي ~: (كذب العادلون بك، المثبتون لك نظيراً)، وقال #: (ما وحّده من كيفه ولا حقيقته أصاب من مثله، ولا إياه عنى من شبهه، ولا صمده من أشار إليه وتوهمه)، لأن من كيفه بصورة فقد جعل له شبيهاً، ومن مثله فقد عبد غيره، ومن شبهه فقد أراد بعبادته غيره، ولا نزهه من جعل له جهة يحل فيها.

  فاحذروا عباد الله أن تكون عبادتكم لغير الله سبحانه وتعالى، لما يحدث في النفوس من التوهم للخالق مما يلقي شياطين الإنس والجن، فالتعلم واجب لنحمي عقيدتنا من الإنحراف ونصون عبادتنا من الإشراك، فتكون خالصة لخالقنا، مقبولة لدى بارئنا، لنفوز برضى الله ونتجنب سخطه.