[خطبة في التوحيد]
  لا يعجل، وهو الأول الذي لا شيء قبله، والآخر الذي لا شيء بعده، وهو القديم وما سواه محدث مخلوق، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[الحديد: ٤].
  فاستواؤه على العرش هو استيلاؤه على ملكه بعد خلقه، وهو معنا أينما كنا بعلمه، لا تخفى عليه منا خافية، سواء أظهرنا أو أخفينا، أسررنا أم أعلنا.
  ولا بد أن نعرف الله بأنه عدل في قضائه، جواد في عطائه، ناظر لخلقه، رحيم بعباده، لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً، وأنه لم يرض الكفر لعباده، ولا الجهر بالسوء إلا من ظُلم، ولم يحب الفساد، وأنه خلق عباده مخيرين، لم يجبرهم على أفعالهم ولا على تركها، بل أمرهم ورغبهم في الطاعات ونهاهم وحذرهم عن المعاصي، لا كما يقول المفترون على الله أعوان الشيطان، الذين يقولون إن المعاصي والطاعات بقضاء وقدر، كيف؟! والله يقول: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}[البلد: ١٠]، ويقول: {وَمَا سَوَّاهَا ٧ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ٨}[الشمس: ٨]، ويقول: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}[النساء: ١٢٣]، {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ}[الأنبياء: ٩٤]، فهذه الآيات وغيرها في القرآن كثير، تنسب الأعمال إلى فاعلها، وأنه يعذب على ما فعل من المعاصي، ويثاب ويجازى على ما فعل من الطاعات، فهو سبحانه وتعالى صادق في وعده ووعيده، ما يبدل القول لديه، ولا يخلف الميعاد، قال تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}[ق: ٢٩]، فقوله أصوب الأقاويل، وحديثه أصدق الحديث، فتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً.