خمسون خطبة للجمع والأعياد،

لا يوجد (معاصر)

[في الحج ومنزلته]

صفحة 108 - الجزء 1

  الوقوف بعرفة»، فعبادة الحج بصفتها العامة من أقوال وأفعال تعبدية مما يمارسه الحاج توحي للنفس بمعاني كبيرة فتشعرها بجلال الموقف وظهور الخشوع والعبودية لله سبحانه وتعالى، وتزرع فيها مكارم الأخلاق، وتقودها إلى الإستقامة على منهج الله في الأرض، ففي كل فعل ونداء ومناجاة في مناسك الحج معنىً يوحي للنفس بما يشدها إلى خالقها، فالإحرام والتلبية والطواف والوقوف بعرفة إلى آخر الأعمال في الحج، كلها أفعال تكسب النفس إرتباطاً بالله، وتواضعاً له، وإذعاناً لربوبيته، فهم يعجون بالدعاء ويرددون هتاف الإخلاص والوفاء: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك»، يطلقون هذا النداء معلنين ولاءهم لله، متحملين المشاق والمصاعب حبًّا لله وشوقاً إلى بيت الله وحرمه، فهذه بعض منافع الحج.

  وقد بين لنا أمير المؤمنين بعضاً منها في قوله: «وفرض عليكم حج بيته الحرام، الذي جعله قبلة للأنام، يَرِدونه ورود الأنعام، ويألهون إليه ولوه الحمام، جعله سبحانه علامة لتواضعهم لعظمته، وإذعانهم لعزته، واختار من خلقه سُمَّاعاً أجابوا إليه دعوته، وصدقوا كلمته، ووقفوا مواقف أنبيائه، وتشبهوا بملائكته المطيفين بعرشه، يحرزون الأرباح في متجر عبادته، ويتبادرون عند موعد مغفرته، جعله سبحانه للإسلام علماً، وللعائذين حرماً، فرض حجه، وأوجب حقه، وكتب عليكم وفادته»، وفي الحج منافع أخرى يكسب العبد تربيةً لسلوكه ونوازعه الشهوانية، ففي الحج تعويد النفس على الصبر وتحمل المشاق في سبيل الله، وحسن الخلق من اللطف واللين والتواضع والكرم والتعاطف، والإمتناع عن الكذب والغيبة والنميمة والخصومة بالباطل، والتكبر، قال تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ}⁣[الحج: ٢٨].