خمسون خطبة للجمع والأعياد،

لا يوجد (معاصر)

[في الحج وفضله]

صفحة 117 - الجزء 1

الخطبة الثانية

[في الحج وفضله]

  

  الحمد لله رب العالمين، الحمد لله القائم على كل نفس بما كسبت، الرقيب على كل جارحة بما اجترحت، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المطلع على ضمائر القلوب إذا هجست، الحسيب على خواطر عباده إذا اختلجت، الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في سماء أو أرض تحركت أو سكنت، المحاسب على قليل الأعمال وكثيرها إن ظهرت وإن خفيت، المتفضل بقبول الطاعات من العباد وإن صغرت، المتطول عن معاصي التائبين وإن عظمت، وأشهد أن سيدنا ومولانا محمداً عبده ورسوله المخصوص بالذكر المحمود، والمنهل المشهود، والحوض المورود، وأنه قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة والنصيحة، فصل اللهم عليه وعلى آله الطاهرين، وأعطه من كل نعيم أوسعه، ومن كل عطاء أجزله، ومن كل يسر أنظره، ومن كل قسم أوفره، إنك سميع الدعاء.

  عباد الله: نتواصى بتقوى الله وطاعته، ونتواصى بتقديم العمل وترك الأمل، فإن من فرَّط في عمله لم ينتفع بشيء من أمله، واعلموا أنكم ميتون ثم مبعوثون فموقوفون على أعمالكم ومجزيون بها، {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا}⁣[آل عمران: ٣٠]، فلا تغرنكم هذه الدنيا فإنما هي دار بالبلاء محفوفة، وبالفناء معروفة، وبالغدر موصوفة، العيش فيها مذموم، والرخاء فيها لا يدوم، فإنكم وما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى من الأمم ممن كانوا أطول أعماراً وأشد بطشاً وأعمر دياراً، فكأني بكم وقد أصبحتم كما أصبحوا بعد