[في فضل الكتاب وليلة القدر]
  رحمة ومنَّة على عباده، وأهل طاعته، الذين قبلو وتقبلوا أوامره بصيام هذا الشهر الكريم، فصاموا نهاره، وأحيوا ليله، وعبدوه حق عبادته، جعل لهم المضاعفة العظيمة فجعل العبادة فيها كعبادة ثلاثين ألف ليلة. وجعل الملائكة تنزل فيها بالرحمة على عباده، وشرَّفها وكرَّمها وعظَّمها بما هو أعظم من هذا كله، بإنزال القرآن العظيم فيها. كتاب الله الكريم الهدى والنور والسراج المنير والرحمة المهداة للعباد. ليكون لهم داعياً إلى الحق والرشاد، وزاجراً عن الغي والفساد، ومرغباً في جنانه، ومخوفاً من عقابه، وشاهد صدق لرسوله وحاكماً بين الناس، وجعل فيه جميع ما يحتاجون اليه من علم الأصول والفروع، ومعرفة الحلال والحرام، ونبأ ما يكون يوم الدين، وجعله نوراً للمؤمنين، ومبيناً للمهتدين: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}[الإسراء: ٨٢].
  {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}[يونس: ٥٧]
  {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ١٩٢ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ١٩٣ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ١٩٤ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ١٩٥}[الشعراء].
  فقد جعل هذا الكتاب لعباده وأنزله على نبيه ÷ ليهتدوا به، وليسيروا على نهجه، ليكون لهم شفاءً وهدى ورحمة، فإذا حصلت فتنة واختلاف فزعوا إليه، ورجعوا إليه، واحتكموا إليه، وجعلوه نورهم الذي يمشون عليه في حياتهم ليوصلهم إلى جنة ربهم، وهذا مصداق قوله ÷ فيما يرويه أمير المؤمنين علي # قال: أما إني سمعت رسول الله ÷ يقول: «إنها ستكون فتنة.
  فقلت: وما المخرج منها يارسول الله؟