[في فضل الكتاب وليلة القدر]
  قال: كتاب الله ø، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصْل ليس بالهزل، من تركه من جبّار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله، هو حبل الله المتين، والذكر الحكيم، والصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة التردد ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدًا، من قال به صدق ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم». فهذا هو كتاب الله، كتاب الرحمة والهدى.
  ولا يكون هدى وشفاءً ونوراً وموعظةً للمتقين إلا بالعمل بما فيه. وفهم معناه عن أهله الذين جعلهم الله ورثته، واختصهم بكرامته، كما قال ÷: «الحاذق بتلاوة القرآن أن يحل حلاله ويحرم حرامه، ويقف عند متاشبهه، ويستعمل كل حرف فيما أمر به، فذلك الماهر في القرآن وهو القائم بحدوده آناء الليل والنهار». وهو المعجزة الخالدة لسيدنا محمد ÷ إلى يوم القيامة، وقد فضل الله الليلة التي أنزل فيها وهي ليلة القدر على ألف شهر. قال سبحانه وتعالى: {إنّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ١ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ٢ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ٣}[القدر]، في القدر والعظم وما يضاعف للعامل فيها من الأجر والبر، فهي ليلة مباركة تتنزل فيها كما قال الله تبارك وتعالى: {الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ}[القدر] لبركتها وقدرها.
  وما أعظم ما عظّم الله من أمرها: {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ}[القدر] من أمور الله بركة لأهل الأرض شاملة. فليلة القدر خير من ألف شهر؛ لما جعل الله فيها من اليمن والبركة، وما يمسك الله فيها عمن أجرم من النقم والمهلكات. ولما نسب الله إليها من