خمسون خطبة للجمع والأعياد،

لا يوجد (معاصر)

[في مقتل الحسين السبط #]

صفحة 198 - الجزء 1

  غيري، وإن يومي معهم غداً. وإني قد أذنت لكم جميعاً فانطلقوا من غير حرج ليس عليكم مني ذمام. هذا هو الليل قد غشيكم فانطلقوا في سواده، قبل أن يطلع النهار.

  فلم يكد الإمام يفرغ من كلامه حتى تحولوا جميعاً إلى أُسود تزأر بالكلمات، وتشرق بالدموع، فقام العباس بن علي @ متكلماً عن أهل بيته فقال:

  (معاذ الله والشهر الحرام) وماذا نقول للناس إذا رجعنا إليهم. أنقول تركنا سيدنا وابن سيدنا عرضة للنبال، ودريئة للرماح وجزرا للسباع. وفررنا عنك رغبة في الحياة (معاذ الله) بل نحيا بحياتك ونموت معك، ثم صاح بمثل ذلك بنو عقيل وبنو جعفر.

  ثم قام من أصحابه زهير بن القين ينادي. والله لوددت أن أقتل ثم أبعث ثم أقتل ثم ابعث هكذا ألف مرة أكون فيها ردءاً عن حياتك وحياة هؤلاء الفتيان من أهل بيتك. وتلاه مسلم بن عوسجة الأسدي، فقال: أنحن نتخلى عنك ولم نُعذِر إلى الله في أداء حقك، أما والله لا أفارقك حتى أكسر في صدورهم رمحي. وأضربهم بسيفي ما ثبتت قائمة بيدي، ولو لم يكن لي سلاح لقذفتهم بالحجارة دونك حتى أموت معك، وقام آخر وآخر وآخر.

  فهذا الإمام العظيم يقف هذا الموقف المعجز، يريد لأصحابه النجاة، ويخوض غمار الهول وحده، فلا عجب إنه ابن رسول الله ÷ إنه ابن علي إنه الذي قال فيه رسول الله ÷: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» وقال فيه: «الحسين سيد الشهداء يقتل مظلوماً مغصوباً على حقه». فهو سيد في الدنيا والآخرة. ولكن أصحابه يأبون ذلك. بل أعطوا أعظم بيعة في التاريخ. تاريخ التضحية والفداء.