خمسون خطبة للجمع والأعياد،

لا يوجد (معاصر)

[في الأخلاق الحسنة]

صفحة 45 - الجزء 1

  جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ}⁣[البقرة: ١٩٧].

  فهذا العرض لبعض العبادات التي عرفت بأنها أركان الإسلام، نستبين منه الروابط المتينة بين الدِّين والخلق فهي عبادات مختلفة في ظاهرها، ولكنها تلتقي عند الغاية التي وضعها الرسول ÷ في قوله: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، فالصلاة والزكاة والصيام والحج ونحوها من العبادات هي مدارج الكمال المنشود وروافد التطهير الذي يصون الحياة ويعلي شأنها، ومن أجل ما يرتبط بها أو ينتج عنها من أخلاق جعلت أركاناً هامةً للدين، فإذا لم يستنفذ المرء من هذه العبادات ما يزكي به قلبه ويحسن به صلته بالله وبالناس فقد هوى.

  وقد وضح صاحب الرسالة ÷ أن الإيمان القوي يولد الخلق القوي حتماً، وأن عدم وجود الأخلاق حاصل من ضعف الإيمان أو فقده، فالرجل المعوج السلوك الذي يعمل الرذائل غير آبه بأحد يقول رسول الله ÷ في وصف حاله: «الحياء والإيمان قرناء جميعاً فإذا رفع أحدهما رفع الآخر»، والرجل الذي يؤذي جيرانه ويرميهم بالسوء يحكم عليه الدين حكماً قاسياً، فيقول فيه ÷: «والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله؟، قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه»، وهكذا يمضي ÷ في غرس الفضائل معتمداً على صدق الإيمان وكماله، على أن بعض المنتسبين إلى الإسلام قد يستسهلون أداء العبادات، ويظهرون الحرص على إقامتها، وهم في الوقت نفسه يرتكبون أعمالاً فاحشة يشتم هذا، ويأخذ مال هذا، ويغتاب هذا، ويظلم هذا، ويعمل أعمالاً يأباها الخلق الكريم