[في الاجتهاد في طاعة الله]
الخطبة الثانية
[في الاجتهاد في طاعة الله]
  
  الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي أنطق الصامت ببديع حكمته، وجالت أبصار البصائر في عظيم عظمته، القديم الذي لم يسبقه شيء فتدركه الأوصاف، ولم يكن له جسماً فتحويه الجهات والأطراف، ولم يكن مرئياً فتحيط به النواظر والأبصار {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الأنعام: ١٠٣]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المتجلل بالعظمة والكبرياء، أعد لعباده دار الجزاء، ليجزي الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، من كان للكفرة مدمراً، ولمن اعتصم به مجيراً، ولمحراب الشرائع منيراً، ولكافة الخلق بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله عليه وعلى أهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
  عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله فإنها وصية الله في الأولين والآخرين، فالله يقول في كتابه المبين: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ}[النساء: ١٣١]، فاتقوا الله فيما احتج به عليكم وفيما قدمه إليكم قبل انقطاع المدة واستكمال العدة، فكأني بكم وقد نزلت بكم نازلة الفناء، وأخرجتم إلى دار البلاء، وأتاكم ما كنتم توعدون، وعاينتم ما كنتم تحذرون، فاتقوا الله عباد الله، وعودوا إلى رشدكم، واسلكوا طريق الحق، وكونوا من الذين إذا علموا عملوا وإذا ذكروا قبلوا واتعظوا، {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا