خمسون خطبة للجمع والأعياد،

لا يوجد (معاصر)

[في الاجتهاد في طاعة الله]

صفحة 70 - الجزء 1

  وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}⁣[الأنفال: ٢]، فلنكن بما علمنا منتفعين، وللموت متوقعين، وعلى ما اقترفنا من السيئات نادمين، ومن كل المعاصي تائبين، وعلينا أن نكون لله فيما يأمرنا بآدابه مطيعين، ولما زجرنا ونهانا عنه تاركين، ومن غفلتنا متيقظين، {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}⁣[لقمان: ٣٤].

  أيها الناس؛ لقد روي عن الرسول العظيم محمد ÷ أنه قال: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا»، فمحاسبة العبد لنفسه هو أن يتوب عن كل معصية، وأن يتدارك ما فرط من تقصيره في فرائض الله، وأن يرد المظالم حبة بعد أخرى، وأن يتسامح من كل من تعرض له بلسانه ويده وسوء ظنه بقلبه، فإذا توفاه الله وقد تاب وأناب ورد المظالم كما ذكرنا، وقضى ما قد فرط فيه من الفرائض فإنه سيكون حينئذٍ من الفائزين، وإن هو هلك قبل أن يتوب وكان مثقلاً بالمظالم مفلساً عن الحسنات فهذا مصيره إلى النار، فكيف بالظالم الغاشم يوم تحيط به خصماؤه؟!، فهذا يأخذ بيده وهذا يقبض على ناصيته، وهذا يتعلق بتلابيبه، هذا يقول ظلمني، وهذا يقول شتمني، وهذا يقول استهزأ بي، وهذا يقول ذكرني في غيبتي بما يسوءني، وهذا يقول جاورني فأساء جواري، وهذا يقول سفك دمي في غير حق، وهذا يقول أكل مالي وقهرني ...... ، وهذا يقول وجدني مظلوماً وكان قادراً على دفع الظلم عني فداهن الظالم وما راعى حقوقي عليه، فبينما هذا الظالم هكذا وقد أنشب الخصماء فيه مخالبهم فأحكموا في تلابيبه أيديهم، وهو مبهوت متحير لا يجد ناصراً ولا معيناً، {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ}⁣[غافر: ١٨]، فلاذ إلى الله يتضرع حين لا ينفع، ومد عنق الرجاء لعل الله يخلصه من خصمائه، فقرع سمعه النداء من قبل الله الملك الجبار: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}⁣[غافر: ١٧]،