خمسون خطبة للجمع والأعياد،

لا يوجد (معاصر)

[خطبة في التوحيد]

صفحة 9 - الجزء 1

  وقوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}⁣[البقرة: ١٦٤]، فمن فكر في مخلوقاته تعالى أوصلته إلى معرفته، وحصل له اليقين بوجوده تعالى، واطمأنت نفسه، وخلص له عمله، وخسئ الشيطان هارباً منه.

  فعقيدة التوحيد هي معرفة الله حق معرفته، على ما جاءت في كتابه، وعلى لسان نبيه ÷.

  نعرفه إلهاً واحداً أحداً: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ١ اللَّهُ الصَّمَدُ ٢ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ٣ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ٤}⁣[الإخلاص]، فأخبر أنه لا شبيه له في وجهٍ من الوجوه، وقال: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}⁣[مريم: ٦٥] أي مماثلاً ومناظراً ولا يتغير من حال إلى حال ولا يحل في مكان أصلاً، فليس في السماء ولا في الأرض، ولا تحويه جهة ولا مكان، لأنه هو الذي خلق المكان، فالله موجود قبل أن يخلق السموات والأرض فهو غني عنها، فلا يقدره عقل، ولا يقع عليه وهم، ولا تراه عين، قال تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}⁣[الأنعام ١٠٣]، وقال مجيباً على موسى #: {لَنْ تَرَانِي}⁣[الأعراف: ١٤٣]، فنفى نفياً عاماً لجميع الأوقات في الدنيا والآخرة، فلا تصح عليه الرؤية، لأنها لا تصلح إلا على الأشياء المخلوقة، والله تعالى يقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}⁣[الشورى: ١١]، فهو العالم الذي لا يجهل، والقادر الذي لا يعجز، والقاهر الذي لا يُغْلَب، والدائم الذي لا يَبيد، والحي الذي لا يموت، والحليم الذي