[معاني الصلاة والزكاة]
  أما الإيمان الزائف الذي يكون باللسان فقط فإنه لا يحصِّن المتحلي به من شوائب الشرك، ألا تسمعون كيف يقول الله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}[يوسف: ١٠٦]، فمن قال لا إله إلا الله محمد رسول الله بلسانه فقط، ولم يتقيد بأحكام الإسلام والإيمان فإنما يشمله اسم الإيمان، فهو لا يمنع من المساجد، ويقبر في مقابر المسلمين، ويجرى في ميراثهم مجراهم، وقد يكون له أعمال دون ذلك يستوجب بها الشرك مثل الجبر والتشبيه وإنكار البعث وتكذيب الرسل وإباحة المحارم، ومن كان كذلك فقد جمع بين الإيمان والشرك، وتناوله مضمون هذه الآية، وحينئذٍ فإن على كل مكلف الإلتزام بمنهج الله، وأخذ دينه من حيث أمر بعيداً عن المتاهات والزيغ، هذا هو الموضوع الأول.
  والموضوع الثاني هو: «إن الصلاة تنزيهاً للمكلفين عن الكبر»، فحقاً حقاً إن الصلاة رفع للإنسان من الكبر إلى مستوى التواضع لأنها صلة روحية بين الله وبين عبيده، تتخذ لوناً خاصاً من القراءة والتسبيح والتهليل، وتتخذ طابعاً من السلوك، فإن الإنسان يقف أمام الله يعلن اعترافه بربوبية الله، وبحاكميته المطلقة، ثم يبدئ مطالبه متمثلة بطلب العون من الله حين يقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة: ٥]، فهو بهذا يعترف بأن الحاكمية المطلقة في خلق الله هي لله وحده، فالله الذي يعلم ما يصلح الإنسان وما يفسده، وما يرفعه وما يضعه، وبعد هذا الإعتراف بالله سبحانه وبصفاته المقدسة يقف المرء أمام ربه، وبهذا اليقين المطلق يقف يسأل الله الهداية حين يقول: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}[الفاتحة: ٦]، وهذه العملية تتكرر خمس مرات في كل يوم وليلة، لتكون مصدراً لتربية النفس والوجدان على الخضوع لله سبحانه الخضوع المستمر، ولتطبع حياة الإنسان كلها بطابع هذا الخضوع، ومن هنا فإن تكرار هذه العبادة يشكل مناخاً صالحاً يصقل نفسية المسلم ومشاعره، صقلاً ينسجم مع أوامر الله ونواهيه، لينطلق المسلم بعدها