فرع
  فكبرّ من يُعزِّيه فذكروا ما يتبين به جزع الرجل من ضره، فأجمعوا أنه إذا ترك شيئاً كان يصنعه فقد جزع. ليحذر كل الحذر من الإحداد واتخاذ الأطعمة للناس، والاستحداد، وخمش الوجوه، وشق الجيوب، وظهور الأصوات، وهتك الستور، ونشر الشعُور، ونحو ذلك من المنكرات مما فيه إظهار للجزع، والحَزَن كعقد المناحات، فإن ذلك من أعمال الجاهلية وهدم في القواعد الدينية، ومحظور بإجماع الأمة المحمدية، وكان مقتضى القياس أن لا يأتيه من الناس إلا الحمقى دون الأكياس، والعوام الذين هم كالأنعام دون أرباب المعرفة بالحلال والحرام، لاسيما العلماء الأعلام ولكن لنصر الشيطان في التدخل اشتركوا ولعصيان الرحمن ارتكسوا حتى صارت النياحة عند الجميع من أهم الواجبات بل مواظبتهم عليها أكثر من مفترض الطاعات، فليس لهم خلف، ولا إمام يتبعونه، وقد صدق رسول الله ÷ قوله: «بدأ الدين غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء».
فرع
  كان مقتضى ما يُظهرونه من الشغفة، ويرونه من التلهف لبُعده للمحنة والغمة، إذا لم يرحموا أنفسهم، وآثروا رضى الشيطان بأن يظهروا بؤسهم أن لا يقولوا ويفعلوا ما يعود بالضرر إليه، فإنه صحَّ عن رسول الله ÷: «أن [ق/ ١٣] الميت ليعذب ببكاء أهله عليه»، فكيف يدعي أنه من أصدقائه وأحبائه من لا يبتعد عن أسباب مظانّ عذابه.
  تنبيه: والمراد بالبكاء المحرم ما كان مع صوت لا مُجَرَّد دمع العين، فإنه صحَّ عن رسول الله ÷ أنه قال ذات يوم، وقد بكى عنده مريض، فبكى أصحابه لبكائه، فقال: «ألا تسمعون إن الله لا يُعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يُعذب بهذا أو يرحم، وأشار إلى لسانه».
فصل
  ويُكره وطأ القبر والقعود والتبول عليه، والنوم فوقه، وكذلك الاتكاء إليه، قال ÷: «لا تقعدوا على القبور»، وكذا من ارتكب عنده محظوراً مما حَرَّمه الشرع من قلع بناية