كتاب الأصول،

المرتضى محمد بن يحيى (المتوفى: 310 هـ)

باب القول في العدل

صفحة 32 - الجزء 1

  أفلستم ترون إن كان الأمر كما قال هؤلاء الظلمة إن الله قد ظلمهم، أو عذبهم على فعلهم، لأنه حين قضى عليهم بالمعصية قد منعهم من الطاعة، ولو تركهم والطاعة لأطاعوا، والله بريء مما يقول فيه المبطلون، وأسنده إليه الجاهلون، ألا تسمعون كيف أكذبهم سبحانه: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ٢٨}⁣[الأعراف: ٢٨].

  فأكذبهم في قولهم، ونفى عن نفسه ما نسبوه إليه بظلمهم، وقال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ٥٦}⁣[الذاريات: ٥٦]، فذكر خلقهم للعبادة لا للمعصية، وأكذب قول من زعم أن الله يقضي على العباد بالمعاصي وقال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ٩٠}⁣[النحل: ٩٠] وذكر أنه أمر بالصلاح والتقى والدين والهدى، وأبطل بذلك قول من زعم أن المعاصي من الله قضاء، أرأيتم لو أن أحدكم أمر عبده، وحكم عليه بعمل شيء من الأشياء فعمله وأطاعه، ثم أخذه فضربه على ما عمل مما أمر به، أليس يكون قد ظلمه وتعدى عليه؟ فإذا كان هذا من فعل المخلوقين ظلماً وتعدياً ومستنكراً، فكيف يجوز أن