الرسالة المناصفة للمتكلمين والفلاسفة،

جعفر بن أحمد بن عبد السلام (المتوفى: 573 هـ)

[أقوال من نفى النفس من المتكلمين]

صفحة 530 - الجزء 1

  ذمه على الجهالات التي تظهر منه ورذائل⁣(⁣١) الأخلاق ومساوئ الأعمال، كالبخل والكبر والغلظة والظلم والكذب وما جرى هذا المجرى، ويعلمون من أحوال أنفسهم أنهم إنما يوجهون هذا المدح والذم إليه، دون غيره ما هو حال فيه أو خارج عنه؛ وذلك يبطل أن يكونوا ظانين لكونه مستحقا لذلك أو ظانين لكونه عالما أو عاملا، ويبطل أن يكون الفاعل أو العالم المتصرف في هذه الأفعال: شيئا آخر سوى هذا الشخص. فالذي يجوز خلاف هذا المعلوم يكون مكابرا لاحقا بالسوفسطائية في مكابرته لأجلى العلوم وتجويزه في ذلك أن يكون ظنًّا.

  يزيد ذلك وضوحا أن العلم بأن هذا الشخص هو الإنسان المتصرف في هذه الأفعال الذي تتعلق به هذه الأحكام - جار مجرى علمهم بأن هذا الحيوان المخصوص هو الفرس وأن الحيوان الآخر هو الجمل، وأن الأفعال الصادرة عنها من جري وسير متعلقة بأشخاصهما، دون أن تتعلق بنفوس تختص بهما، فكما أن علمهم بذلك يمنعهم من إثبات نفوس لهذه الحيوانات تكون⁣(⁣٢) الأفعال صادرة عنها ومتعلقة بها كذلك ما نحن فيه، فإن علم العقلاء بتعلق هذه الأحكام بهذا الشخص الإنساني يمنع من إثبات شيء آخر يكون أولى بها منه، بل قول المخالف في هذا الباب يؤدي إلى أن يكون علم العقلاء باستحقاق هذا الشخص للمدح والذم على ما ذكرنا جهلا، مع أنه من العلوم الأولية الظاهرة الجلية يعود⁣(⁣٣) إلى تجويز ذلك في علم ضروري أو مكتسب حتى ترتفع الثقة بالمعلومات قاطبة، وهذا توسط في السفسطة، فوجب القضاء ببطلانه.

  ولأن المستحق للمدح والذم هو هذا الشخص، وأنه الإنسان⁣(⁣٤) المتصرف


(١) في المخطوطة: «ورذلائل».

(٢) في المخطوطة: «الكون».

(٣) كذا في المخطوطة.

(٤) نهاية ١٦٥ ب.