[الوجه الثاني مما تمسكوا به]
  مجرد عن القرائن؛ فهم فيه بين أمرين:
  إن قالوا: إن النفس هي العالمة بكل ذلك والمدركة له، لزمهم على قود هذا الكلام أن تكون مركبة غير خالية عن القرائن.
  وإن قالوا: إن العالم به والمدرك له سواها - وهو الشخص المركب المشاهد - سلموا ما أردناه من ذلك وقيل لهم: فإذا كان هذا الشخص هو العالم بالأشياء المركبة والأمور التي لم تتجرد عن القرائن والمانع من إدراكه المعقولات المجردة فإن راموا إثبات مانع من ذلك لم يجدوا إليه سبيلا.
  ثم تعليلهم لتجرد المعلوم بتجرد العالم به تعليل لا يصح؛ لأن العالم إنها يعلم الشيء ويدركه على ما هو به، فإن كان المعلوم مجردا علمه مجردا، إلا(١) أنه يكون(٢) لأجل إدراكه له ولا علمه به، ألا ترى أنا نعلم أن الفرس مثلا على ما هو به من صفات الخيل، ولم يكن فرسا على ما هو به لأجل علمنا به، وكذلك سائر المعلومات؛ فلم يصح تعليلهم تجرد المعلوم بتجرد العالم.
  وعلى أن هذا التعليل يوجب أن يكون المعلوم بصفة العالم، وهذا ... (٣) من أن المعلوم على ما هو عليه لأجل العالم به؛ فيلزم من ذلك أن يكون من علم شيئا وجب أن يكون المعلوم [بـ] صفة العالم به، حتى إذا علم أحدنا الفرس وغيره من الحيوانات، بل سائر الجمادات وأنواع النبات - وجب أن تكون هذه المعلومات بصفة العالم بها من الناس لأجل أنه عالم بها، كما قالوه في تجرد المعلوم إنه إنها ثبت لتجرد العالم به، وفساد ذلك لا يخفى.
(١) كذا، ولعلها: «لا».
(٢) كذا، ولعل بعدها نقص: «مجردا» أو «كذلك».
(٣) كلمة استغلقت، شكلها قريب من كبر دون إعجام.