الرسالة المناصفة للمتكلمين والفلاسفة،

جعفر بن أحمد بن عبد السلام (المتوفى: 573 هـ)

[الوجه الثالث مماتمسكوا به]

صفحة 541 - الجزء 1

  وأما استدلالهم على العالم المدرك للأمور المجردة بما أوردوه من⁣(⁣١) القسمة، وقولهم: إن تجرده لا يخلو: إما أن يكون لأجل المأخوذ منه أو لأجل الأخذ على ما ذكروه - فإنه لا يصح؛ لأنه قسمة غير حاصرة ولا دائرة بين إثبات ونفي، ولم يذكروا طريقة تقتضي صحتها. ويقال لهم: هل تعلمون⁣(⁣٢) صحة هذه القسمة علما أوليا كما تعلمون أن العدد إما أن يكون زوجا أو فردا: وأن الكل أكثر من الجزء؟ فإن ادعوا كون ذلك معلوما كابروا، وإن ادعوا كونه أوليا كانت المكابر [ة] أظهر؛ لأن ذلك ليس بمعلوم فضلا عن أن يكون أوليا؛ إذ من الجائز أن يكون تجرد المطلق لغير ما ذكروا لو صح تجرده.

  وثم يقال لهم: لماذا كانت العقول والنفوس مجردة عن القرائن وما علة ذلك؟ فإن قالوا: لأن موجبها مجرد. قيل لهم: فيلزمكم أن تكون الأشياء كلها مجردة؛ لأن مبدأها وموجبها مجرد، وذلك باطل؛ فلم يصح التعليل بذلك.

  فظهر لك بهذه الجملة بطلان هذا الحكم وبطلان علته.

[الوجه الثالث مماتمسكوا به]

  ومن جملة ذلك قولهم: لو كان العقل يعقل المعقولات بالة جسمانية لما عقل نفسه، ولا شك أنه يعقل نفسه، فثبت أنه لا يعقل بآلة جسمانية.

  والدليل على صحة المقدمة الأولى - وهي أنه لو عقل المعقولات بآلة جسمانية لما عقل نفسه - أنا لما كانت الرؤية لما نراه من الأجسام بالة جسمانية لم تر⁣(⁣٣) الرؤية نفسها، فكذلك كان يجب في العقل.


(١) نهاية ١٦٩ ب.

(٢) في المخطوطة: «تعلموا».

(٣) في المخطوطة: «ترى».