لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار
  والذي يدل على ذلك أن الرؤية لا تصح إلا لما كان جسما، وقد ثبت أن الله تعالى ليس بجسم، فلو رؤي الخالق سبحانه وتعالى لكان جسماً مقدَّراً بالطول والعرض والشكل، ومحدودًا بالفوقية والتحتية، والخلف والأمام، واليمين والشمال، وفي حالةِ تحركٍ أو سكون، وفي مكان مخصوص، وهذه كلها خصائص خاصة بالأجسام، وقد ثبت أن الله تعالى ليس بجسم. ولا يعقل أن يُرى تعالى لا في مكان، ولا مقدراً بطول وعرض، ولا محدداً بالجهات، ولا في حركة أو سكون.
  فقول من قال: إنه تعالى يرى بلا كيف كلام مرفوض عند العقل، فالرؤية لا تكون إلا للمتكيف بتلك الكيفيات التي قدمنا، وقد قال تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ}[الأنعام ١٠٣]، وقال تعالى لموسى #: {لَنْ تَرَانِي}[الأعراف ١٤٣].
  هذا ولم يسأل موسى # الرؤية لنفسه، بل عن سؤال قومه، وتماما كما حكاه الله تعالى: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}[البقرة ١٠٨]، وقال تعالى: {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ}[النساء ١٥٣]، وقولة تعالى: {فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}[الأعراف ١٤٣].
  فقد دلت هذه الآيات على أن الله تعالى لا يرى من وجوه:
  - التصريح بالنفي في قولة: {لَنْ تَرَانِي}[الأعراف ١٤٣] الشامل لجميع الأزمنة بما في ذلك الآخرة.