المركب النفيس إلى التنزيه والتقديس،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار

صفحة 13 - الجزء 1

  عنه تبعاً لذلك الحاجة إلى كل أنواع الملاذ، وكذلك إذا انتفت عنه تعالى الشهوة انتفى عنه الحاجة إلى كل أنواع المشتهيات، وإذا كان سبحانه وتعالى لا يلحقه الهم والغم انتفى عنه تبارك وتعالى الحاجة إلى كل ما يدفع ذلك وهكذا ...

  وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}⁣[فاطر ١٥]، وقال: {إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ}⁣[إبراهيم ٨]، وغير ذلك كثير.

  وبناءً على ما ذكرنا فإن كل ما خلقه الله تعالى من المخلوقات إنما خلقه لِحِكَمٍ ومصالحَ عظيمةٍ يعود نفعها إلى المخلوقات، ولم يخلقها تعالى لحاجة إليها، ولا لينتفع بها، وهكذا كل ما أمر الله تعالى به، أو نهى عنه في كتبه، أو على ألسنة رسله - فإنه لم يفعل ذلك لحاجة يعود نفعها إليه تعالى، بل إنما كان ذلك لمصالح ومنافع تعود إلى المكلفين، ومن هنا قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}⁣[فصلت ٤٦]، فهو سبحانه غني عن الكذب وخلف الوعد، وظلم العبيد، و ... إلخ.

  وقد قال تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا}⁣[النساء ١٢٢]، {إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}⁣[الرعد ٣١]، وقال تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ}⁣[ق ٢٩]، وغير ذلك كثير.

لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار

  مما يجب التصديق والإيمان به أنه تعالى لا يرى، ولا تدركه الأبصار لا في الدنيا ولا في الأخرة.