المركب النفيس إلى التنزيه والتقديس،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

[عدل حكيم]

صفحة 18 - الجزء 1

  القبائح {لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ}⁣[الحاقة ١٨]، وغني عن فعلها، وقد قدمنا الدليل على غناه ونفي الحاجة عنه تعالى، وهو عالم أيضًا بأنه غني عنها، وكل من كان كذلك فإنه لا يقع منه فعل القبيح.

  هذا، وقد أجمعت كل طوائف المسلمين على أن الله تعالى عدل حكيم {لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}⁣[النساء ٤٠]، غير أن بعض هذه الطوائف نقضت هذا الأصل المجمع عليه فقالت: إن كل فاحشة يفعلها العباد من كفر وفسوق وعصيان وكذب وباطل وزور، كل ذلك فعل الله، وإن الله تعالى هو الذي خلق ذلك وفعله وأراده وشاءه وقدره وقضاه، فنسبوا كل ذلك إلى العدل الحكيم، واتهموه بفعله، و ... إلخ.

  ثم قالوا: إن الله تعالى سيعذب العباد على ذلك، فنفوا بقولهم هذا عن الله تعالى العدل والحكمة، ونسبوه إلى فعل الظلم والقبائح والكذب و ... إلخ، فعطلوا العدل والحكمة عن معانيها، وأكفأوا الإناء بما فيه، فلم يتركوا للعدل والحكمة عيناً ولا أثراً، ولم يبق لهم من ذلك سوى تنزيه الله تعالى بالحروف والألفاظ، فنزهوه تعالى بنفي الظاء واللام والميم، وأثبتوا له تعالى العين والدال واللام و ... إلخ.

  فمذهبهم هذا مذهب مخالف للعدل والحكمة تماما؛ إذ كيف يأمر الله تعالى بما قد خلقه، أو ينهى عما قد خلقه، وأي فائدة في إرسال الرسل، وإنزال الكتب؟!