[مراد الله من المكلفين الطاعات]
  [الأنعام]، ومما يدل على أن الله لا يريد القبائح أنه لو أرادها لوجب أن يكون العصاة مطيعين، وذلك محال، لأن المطيع إنما يكون مطيعاً لوقوعه إذا فعل مراده، وأيضا فإن إرادة القبيح قبيحة، والله تعالى لا يفعل القبائح، فثبت أنه لا يفعل إرادة الكفر والفسوق والمعاصي، فإذا لم يفعل إرادتها لم يكن مريدا لها، وليس يلزمنا ما تظنه المجبرة من أنا قد حكمنا على الله بالضعف، متى قلنا إنه غير مريد لما وجد من القبائح، لأنه إذا وجد ما كان القديم غير ريد له، لا يؤثر ذلك في أحواله.
  ألا ترى أن كل من مضى من اليهود والنصارى إلى الكنائس والبِيَع، لا يوجب ضعفًا للمسلمين والإمام، وإن كان ذلك غير مراد لهم، لأن ذلك لا يؤثر في أحوالهم.
  فإن قيل: أوليس المسلمين قد قالوا ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. وهذا خلاف مذهبكم، لأن عندكم أن الله تعالى أراد الطاعات من الكفار، مع أنها لم تكن، وهو غير مريد للمعاصي الكائنة منهم؟
  قيل له: إن المسلمين أرادوا بذلك ما يريده الله تعالى من أفعال نفسه، دون أفعال غيره.
  ألا ترى أن غرضهم بهذا القول وصف إقراره وثبات امتداحه، وقد علمنا أن وقوع ما يريده الواحد منا من أفعال عبادته، لا يدل على قدرته.
  ألا ترى أن العبد قد يفعل ذلك مع ضعف سيده، وإنما يدل على اقتدار المريد ما يقع من المراد، إذا كان من أفعاله، فوجب أن يكون غرض المسلمين ما بيَّناه، فإذا صح ذلك لم يجب له فساد مذهبنا.