التبصرة في التوحيد والعدل،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

[إعجاز القرآن]

صفحة 67 - الجزء 1

[إعجاز القرآن]

  فإن قيل: ومن أين علمتم أن القرآن معجز؟

  قيل له: إنا قد علمنا ضرورة ذلك أن محمداً ÷ أتى به، وتحدى العرب وقرَّعهم بالعجز عن الإتيان بمثله، فإن العرب لم يعارضوه، وقد علمنا أنه لا يجوز أن يكون تركهم للمعارضة إلا للعجز، لأنه قد ثبت حرصهم على إبطال أمره، وتوهين شأنه، حتى بذلوا مهجهم وأموالهم، وقتلوا أبنآءهم، وآبآءهم. ومعلوم بكمال العقل أن من تحداه خصمه بأمر من الأمور، وقرعه بالعجز عن الإتيان بمثله، فلا يجوز أن يعدل عن الإتيان بمثله، إلى ما هو أشق منه، إلا إذا تعذر عليه ذلك، ولا التباس في أن القتال أشق من معارضة الكلام، فلولا أنهم عجزوا عن المعارضة لم يجز أن يكونوا قد عدلوا عنها إلى القتال، وثبت بذلك عجز العرب عن الإتيان بمثل القرآن، فإذا ثبت عجزهم وثبت عجز جميع البشر - إذ العرب هم الغاية في الفصاحة والطلاقة - فثبت أن القرآن معجز.

  فإن قيل: وكيف يدل المعجز على أن من أُظهر على يديه فهو نبي؟

  قيل له: لأن المعجز كالتصديق.

  ألا ترى أن من يدعي النبوة يقول: اللهم إني إن كنت صادقا فاقلب هذه العصا حية، وأنطق هذا الذئب، وما جرى مجراه، فإذا فعل ذلك عند ادعائه غاية دعواه، كان ذلك الفعل تصديقاً له، وقد ثبت أن تصديق الكاذب قبيح، وأن الله لا