التبصرة في التوحيد والعدل،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

[تنزيه الله عن شبه الخلق]

صفحة 36 - الجزء 1

  أوصافه، وجب أن يكون مثلُه شبَهَه، فبطل بهذا أن يكون القديم تعالى موصوفا بهذه الصفات لمعاني، وثبت أنه قادر لنفسه، وعالم لنفسه، وبصير لنفسه، وقديم لنفسه. وإذا ثبت أنه عالم لنفسه، وجب أن يكون عالما بجميع المعلومات، إذ حكمه تعالى مع جميعها حكم واحد، وقد دل الله تعالى على ذلك بقوله: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ٧٦}⁣[يوسف]، فأخبر أن كل عالم بعلم فوقه عالم، فوجب أن يكون القديم تعالى عالما لا بعلم، وقوله تعالى: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ}⁣[النساء: ١٦٦]، لا يوجب إثبات العلم به، لأن معناه أنزله عالما به.

[تنزيه الله عن شبه الخلق]

  فإن قيل: فهل يجوز عندكم أن يكون القديم يشبه شيئا من الأشياء؟

  قيل له: لا يجوز ذلك، لأنه لو أشبه شيئا، لكان محدثا، لأن الذي يشبه المحدث يجب حدوثه، وقد دللنا على أنه تعالى قديم، وكل ما ذكرناه قد ورد به الكتاب، ونطق به القرآن، قال تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ٢٥}⁣[الأحزاب]، وقال: {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ٤٠}⁣[الأحزاب]، وقال: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ}⁣[البقرة: ٢٥٥]، وقال: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ١٣٤}⁣[النساء]، وقال: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ٧٦}⁣[يوسف]، وقال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ١١}⁣[الشورى]، وقال: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ٦٥}⁣[مريم]، أي: مثلا ونظيرا. وقال: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ٤}⁣[الإخلاص].

[تنزيه الله عن الحلول في الأماكن]

  فإن قيل: فهل يجوز على القديم تعالى الكون في شيء من الأماكن؟

  قيل له: معاذ الله! بل ذلك محال لأن الكون في المكان يكون على أحد وجهين:

  أحدهما: ككون الأجسام في الأماكن، وذلك لا يكون إلا بالمجاورة، وذلك دليل الحدوث.