التبصرة في التوحيد والعدل،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

[الشفاعة]

صفحة 70 - الجزء 1

  فإن قيل: ما أنكرتم أن تكون الآيات التي نفت الوعيد إنما هي في الكفار؟

  قيل له: لو كان ذلك كذلك، لدل الله سبحانه على مراده، وإذ لم يدل على ما ادعيتم فقد ثبت في تلك الآيات أنها عامة في الكفار وغيرهم.

  فإن قيل: فما تنكرون على من قال لكم إن في القرآن ما يوجب تخصيص هذه الآيات وتبيين أن المراد بها هم الكفار، و هو قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}⁣[النساء]؟

  قيل له: أما قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}، فليس فيه ذكر ما دون الشرك، وهو قوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}. ليس فيه دليل على أنه يغفر كل ما دون الشرك لمن يشاء، بل فيه دليل على أنه يغفر بعض ما دون الشرك.

  ألا ترى أنه قال: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}. فعلقه بالمشيئة، ولم يقل ويغفر كل ما دون ذلك، ثم بيَّن الله بقوله: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ٣١}⁣[النساء]، ما الذي يشاء أن يغفر مما دون الشرك، فبيَّن أنه هو الصغائر، تغفر لمجتنب الكبائر، فقد بان أن هذه الآية لم توجب كون تلك الآيات خاصة في الكفار على ما ظنته المرجئة.

[الشفاعة]

  إن سأل سائل فقال: ما تقولون في الشفاعة؟ وهل تجوزونها لأهل الكبائر؟

  قيل له: إنا نقول إن النبي ÷ يشفع للمؤمنين التائبين، ولا يشفع لأهل الكبائر، لقوله تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ١٨}⁣[غافر]، وقوله تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ