المسألة الثالثة عشرة أن الله لا يقضي بالمعاصي
  للعصاة على الله تعالى، تعالى الله عن ذلك، وقد قال تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[النساء: ١٦٥] وإذا كان كذلك وجب ردُّ هذا الخبر والقطعُ على أنه كَذِبٌ على نبيئنا ÷. ثم إِنه يتقرّر هذا لنا بأصلٍ نرجع إليه قد قام عليه البرهان وهو أنّ سَبْقَ العلم بالمعاصي والطاعات ليس يدلُّ على الجبر وعدم التمكن بل العلمُ سابقٌ غيرُ سائقٍ، وكذلك سَبْقُ عِلْمِهِ بنزول المُصيبة لا يُنافي العوض عليها، دليلُهُ: أنّ الله تعالى عالمٌ بسعادة المكلف بسبب عمله وهو فعله الطاعة، وشقاوتِهِ بسبب عمله وهو فعله المعصية، وبنزول المصيبة بسبب عمله وهو الإستقامةُ فيكون إمتحاناً، أو الإنحراف عن الطّاعة فيكون عقوبةً، وربّما كان منه دعاءٌ علمه الله فيكون سبباً في عدم نزول المصيبة كما جاء في الأثر: «إنّ الدُّعاءَ والبلاءَ يلتقيانِ في العرش فيعتلجان حتّى تكون الغلبة للدُّعاءِ» وقد عرفنا أنّ الله سبحانه قد علم أنه لو حصل ضد تلك الأسباب لحصل ضِدُّ الْمُسَبَّبَاتِ. ألَا تَرَى أنّ الله تعالى علم أنه ÷ يُوَلِّي فِرَاراً من أهل الكهف، ويُمْلأُ رُعْباً لو حصل منه سببُ ذلك وهو الإطِّلَاعُ فلمّا لم يحصل منه السّببُ لم يحصل المُسبَّبُ، وحصل ضدّ هذا السَّبَبِ فحصل ضدّ المُسبَّبِ. فإذا فرضنا أنّ المُطيع يعصي وأنّ العاصيَ يطيع، وأنّ من تنزل به المصيبة يدعو وانقلبت الحالُ، لم يكشف عن جهلٍ في حقّه تعالى بعد علمه بالكل كما قرّرنا، ثم إنّ العلم ليس يُجْبِرُ كعلمك بأنَّ الكافر يعبد الصّنم فليس علمُك مُجبراً له على ذلك، ويشهد بهذا ما جاءَ في الحديث عن عمر بن الخطاب أنه قال قال ÷: