المسألة الرابعة عشرة أن الله لا يكلف عباده ما لا يطيقون
  وخلق الأفعال وعدم القُبح العقلي أن يكون الله تعالى قد كلَّف عباده ما لا يطيقونه، وكانت المجبرة لا تلتزمه وإن لّم يقولوا بقبحه عقلاً بل قالوا لأنه لا يليق من الحكيم لِمَا فيه من النقص شاهداً، ولم يزالوا على ذلك حتّى صرّح أبو الحسن بن أبي بشرٍ الأشعري بجوازه على الله تعالى بناءً على قياس مذهبهم كما ذكرنا. قال بعض المحقّقين: لِمَا لا يُطَاقُ صورٌ أربع:
  الأُولى: الجمعُ بين الضّدين ممّا هو غير مقدورٍ أصلاً لَا لَهُ تعالى ولا لنا لأنّه يستحيل الجمع بين الضّدينِ من جهتنا ومن جهة الباري تعالى.
  الثانية: ما لا يطاق من جهتنا وهو مقدور للباري تعالى وهذا نحو إيجاد الأجسام وبعض الأعراض ونحو ذلك.
  الثالثة: ما يصح منّا جنسه إلّا أنه لا يمكننا إيجاده على الوجه الذي يقع عليه من جهة الباري وهذا نحو الطيران.
  الرابعة: ما يدخل تحت مقدورات الْقُدَرِ إيجادُهُ في مقدارِهِ وصفتِهِ إلّا أنّ العبد لم يُوجد فيه قدرةٌ، وذلك على زعمهم. فأمّا الصُّور الثلاث الأُوَل فإنّهم ينفُون عن الله تعالى التكليف بها قالوا: لأنّ السّمع ورد بأنّ الله تعالى لا يفعل ذلك؛ وإن كان العقلُ يقضي عندهم بجواز ذلك من الله تعالى. وأمّا الصورة الرابعة فإنهم يُجوِّزُونَهَا على الله ويقولون: إنّ اللهَ يكلِّفُ الكافرَ بالإيمان الذي يمكن غيره من المكلفين إيجاده، كلّف الكافر ذلك ولا قدرة له على الإيمان. واختلف أصحابنا هل قبح تكليف ما لا يُطاق معلومٌ ضرورةً أو إستدلالاً فقال أبو الحسين، وابن الملاحمي: ذلك معلومٌ ضرورةً جملةً وتفصيلاً فلا يحتاج فساده إلى دليلٍ قالا: والمجبرةُ عوامُّ وعلماءُ؛ فالعوامُّ تَبَعٌ لعلمائهم، والعلماءُ