كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

المسألة السابعة عشرة في الآلام

صفحة 210 - الجزء 1

  تعالى، وبعوضٍ آخر يستلزم أن تكون الآخرة دار إمتحانٍ و بلاءٍ لا دَارَ جزاءٍ فقط، والإجماع على خلاف ذلك. فإن قيل: يتفضل عليه بعد انقطاعه. قلنا: قد استحق بوعد الله الذي لا يُبدّل القول لديه أن يُبعثَ للتّنعُّم فلا وجه للتخصيص بِجَعْلِ بعضِهِ مستحقّاً وبعضِهِ غير مستحقٍّ. ويتفرع على القول بالدّوام القولُ بإنحباط العوض بالمعصية لمنافاته العقاب كالثّواب، وعلى القول بعدمه عدمُ الإنحباط، والقولُ بأَن لّا مُنَافَاةَ بين العوض والعقاب فافهم. (وَلَوْ خَلَتْ) الآلامُ (عَنِ الاعْتِبَارِ لَكَانَت عَبَثاً لِأنّ الْعَبَثَ هُوَ الْفِعْلُ الْوَاقِعُ مَنَ العالم بِهِ عَارِياً عَنْ غَرِضِ مِثْلِهِ) بإضافة غرضٍ إلى مثله، إذ الأغراض تختلف بإختلاف الأفعال وهذا المعنى حاصل في الألم لو خَلِيَ عن الإعتبار لأنه كان يمكن ويحسُن أيضاً إيصالُ نفع العوض إلى المُؤْلَمِ من دون الألم (وَ) لا شك في أنّ (الْعَبَثَ قَبِيحٌ) وقبحُهُ معلومٌ ضرورةً (وَهُوَ تَعَالَى لَا يَفْعَلُ الْقَبِيحَ) كما مرّ ويدلُّ على ثبوت الإعتبار - وهو ما يدعو المكلف إلى فعل الطاعة وترك المعصية - قول الله تبارك تعالى: {أَوَلَا يَرَونَ أَنَّهُمْ يُفتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَينِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ}⁣[التوبة: ١٢٦] والمراد بالفتنة في هذه الآية الإمتحان بالمرض وغيره، فأخبر الله تعالى أنه امتحنهم وأنّ غرضه أن يتوبوا وأن يذَّكَّرُوا، وإنّما قلنا: إن الفتنة هي الإمتحانُ لأنها لفظةٌ مشتركةٌ بين معانٍ أربعةٍ: أحدها: ما ذكرنا ويدل عليه قول الله تعالى: {الم ١ أَحَسِبَ النّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}⁣[العنكبوت: ١ - ٢] معناه: يمتحنون وثانيها: بمعنى العذاب