كتاب الإيضاح شرح المصباح الشهير (بشرح الثلاثين المسألة)،

أحمد بن يحيى حابس (المتوفى: 1061 هـ)

تنبيه

صفحة 277 - الجزء 1

  يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا}⁣[الأحزاب: ١٢] فثبت بذلك أنّ المنافق كافرٌ، ولكن هل تجري عليه أحكام الكفّار الدُّنيويّة التي ذكرناها: من المنع من المناكحة، والموارثة، والدفن، وغير ذلك. لصاحب شرح الأصول كلامان: أحدهما: أنّها تجري عليه، وكلام الفقيه حميد يقضي بذلك، وفي موضع آخر من الشرح أنّه لا تجري عليه. قال الدواريُّ: فأمّا القتلُ وإباحة المال فإنه لا يكون حكمُهُ حكمُ الكفار في ذلك إذ المعلومُ من أحكام المنافقين على عهد رسول الله ÷ حقنُ دمائهم وأموالهم، وهم في ذلك يُشبِهُون أهل المِلّة. فأمّا عقابُ الآخرة فيقرب أنّ عقابهم أعظم لقوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً}⁣[النساء: ١٤٥] (وَأمَّا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يُسَمَّى مُؤْمِناً) كما تزعمه المرجئة (أَنَّ الْمُؤْمِنَ) وإن كان في اللُّغة المُصدِّق فقد نُقل إلى من أتى بالواجبات واجتنب المُقبَّحات، وهو الذي (يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ وَالْمَدْحَ وَالتَّعْظِيمَ) بدليل أنه يحسن توسُّطه بين أوصاف المدح فيقال: فلانٌ بَرٌّ تقيٌّ مؤمنٌ صالحٌ زكيٌّ، فلو لم يكن مدحاً لم يحسُن تَوَسُّطه بين أوصاف المدح، كما لا يحسُن أن يُقال: فلانٌ بَرٌّ تقيٌّ أسودٌ صالحٌ زكيٌّ، لمّا كان مُتوسِّطاً بين أوصاف المدح ما ليس بِمَدْحٍ. وإذا تقرّر ذلك فالفاسقُ لا يستحقّ المدحَ، والتّعظيمَ، بل يستحق الذَّم والإهانة بلا خلاف بين المسلمين؛ ولهذا فإنّ الصحابة كانوا يُقيمون الحدودَ على الجُنَاةِ على وجه الإهانة (وَقَدْ) دل الدّليلُ