1 - مسأله للمجبرة وجوابها والبيان عنها
  يَهدِيَهُ يَشرَح صَدرَهُ لِلإِسلامِ}[الأنعام: ١٢٥] وكيف هذه الآية، وشرحه لصدره في باب الهداية مما فيه كفاية إن شاء الله.
  وأما قوله: {وَمَن يُرِد أَن يُضِلَّهُ}[الأنعام: ١٢٥] وذلك فكقوله: {وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الفاسِقينَ}[البقرة: ٢٦] وقوله: {كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الكافِرينَ}[غافر: ٧٤] وقوله: {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظّالِمينَ وَيَفعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ}[إبراهيم: ٢٧] وذلك فحكمه عليهم بأنهم قد ضلوا لما عصوه، ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى: {كَذلِكَ يَجعَلُ اللَّهُ الرِّجسَ عَلَى الَّذينَ لا يُؤمِنونَ}[الأنعام: ١٢٥] فمن لم يؤمن فهم الذين يريد الله أن يضلهم ويجعل الرجس عليهم.
  وأما قوله سبحانه: {يَجعَل صَدرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا}[الأنعام: ١٢٥] فإن الجعل من الله في كتابه على وجهين ومعنيين:
  فجعل معناه الخلق، وذلك مثل قوله: {وَلَقَد خَلَقنَا الإِنسانَ مِن سُلالَةٍ مِن طينٍ ١٢ ثُمَّ جَعَلناهُ نُطفَةً في قَرارٍ مَكينٍ ١٣}[المؤمنون: ١٢ - ١٣] ومثل قوله: {قُل هُوَ الَّذي أَنشَأَكُم وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمعَ وَالأَبصارَ وَالأَفئِدَةَ قَليلًا ما تَشكُرونَ}[الملك: ٢٣] فهذا الجعل معناه معنى الخلق.
  وجعل آخر معناه: الحكم من الله لامعنى الخلق منه، وذلك فمثل قوله: {أَم حَسِبَ الَّذينَ اجتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَجعَلَهُم كَالَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَواءً مَحياهُم وَمَماتُهُم ساءَ ما يَحكُمونَ}[الجاثية: ٢١] ومثل قوله: {أَفَنَجعَلُ المُسلِمينَ كَالمُجرِمينَ ٣٥ ما لَكُم كَيفَ تَحكُمونَ ٣٦}[القلم: ٣٥ - ٣٦] فإنه قال سبحانه: أفنحكم لهؤلاء كما تحكمون أنتم فساء ماتحكمون، فهؤلاء الذين أراد أن يحكم عليهم بالضلال لفسقهم وكفرهم وظلمهم تركهم وخذلهم، فضاقت صدورهم بخذلان الله إياهم، فحكم عليهم بضيق الصدور وحرجها، ومخالفتها صدور من شرح صدره للإسلام ممن قبل أمره وطاعته