البساط،

الناصر الحسن بن علي الأطروش (المتوفى: 304 هـ)

باب في وصف اضلال الله جل ذكره لعباده العصاة له

صفحة 132 - الجزء 1

باب في وصف اضلال الله جل ذكره لعباده العصاة له

  أقول متوكلا على الله في لطفه لنا بالتوفيق: أن الله جل ذكره يبتديء عباده بالهداية لهم التي هي الدلالة على ماتقدم به وصفي، ولايبتديهم بالإضلال، فإذا هم اختاروا الضلالة وركبوا معاصيه بعد دلالته إياهم على ماتعبدهم وأمرهم به أضلهم بما يكون منهم من ضلال، وأفعال المخالفين له الجهال.

  فإضلاله لعباده حكمه عليهم إذا عصوه وخرجوا عن أمره بالضلال، قال جل ذكره في بيان ذلك: {الَّذينَ كَفَروا وَصَدّوا عَن سَبيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعمالَهُم}⁣[محمد: ١] ثم قال سبحانه بعد ذلك: {وَلَو يَشاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنهُم وَلكِن لِيَبلُوَ بَعضَكُم بِبَعضٍ وَالَّذينَ قُتِلوا في سَبيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعمالَهُم ٤ سَيَهديهِم وَيُصلِحُ بالَهُم ٥}⁣[محمد: ٤ - ٥] ثم قال بعد ذلك: {وَالَّذينَ كَفَروا فَتَعسًا لَهُم وَأَضَلَّ أَعمالَهُم ٨ ذلِكَ بِأَنَّهُم كَرِهوا ما أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحبَطَ أَعمالَهُم ٩}⁣[محمد: ٨ - ٩] فلو لم أذكر في هذا الباب غير هؤلاء الآيات لكان فيها شفاء، وبيان لايخفى، آلا ترى أن اضلال الله للأعمال هو حكمه عليها أنها ضلال.

  وقال جل ثناؤه، زيادة في البيان والإحسان في سورة البقرة: {وَأَمَّا الَّذينَ كَفَروا فَيَقولونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثيرًا وَيَهدي بِهِ كَثيرًا وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الفاسِقينَ}⁣[البقرة: ٢٦] وقال في مكان آخر: {كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الكافِرينَ}⁣[غافر: ٧٤] وقال في موضع آخر: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا بِالقَولِ الثّابِتِ فِي الحَياةِ الدُّنيا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظّالِمينَ وَيَفعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ}⁣[إبراهيم: ٢٧].