أسنى المطالب في نجاة أبي طالب،

أحمد بن زيني دحلان (المتوفى: 1304 هـ)

[شرح عبارة (إنه على ملة عبد المطلب) وبيان أنها التوحيد ونجاته لأنه من أهل الفترة]

صفحة 106 - الجزء 1

  فمما ذكروه في عبد المطلب أنه نشأ على أكمل الصفات وانتهت إليه الرئاسة بعد عمه المطلب، وكان يأمر أولاده بترك الظلم والبغي، ويحثهم على مكارم الأخلاق، وينهاهم عن دنيئات الأمور، وكان يقول: لن يخرج من الدنيا ظلوم حتى ينتقم الله منه وتصيبه عقوبة، إلى أن هلك رجل ظلوم من أرض الشام ولم تصبه عقوبة، فقيل: لعبد المطلب في ذلك ففكَّر، وقال: (والله إن وراء هذه الدار دار يجزى فيها المحسن بإحسانه ويعاقب المسيء بإساءته) أي: فالظلوم شأنه أن تصيبه عقوبة، فان أخرج من الدنيا لم تصبه عقوبة فهي مُعَدَّة له في الآخرة.

  فهذا إيمان منه باليوم الآخر علمه بالفراسة الصادقة، وهي نور إلهي يقع في القلب. وكان عبد المطلب يرفض عبادة الأصنام ويعترف بوحدانية الله تعالى، ولم تكن شريعة مشروعة في زمنه، فلهذا كانت عبادته التفكر في آلاء الله ومصنوعاته، وصلة الأرحام، واصطناع المعروف، والاتصاف بمكارم الأخلاق، وكان يختلي كثيراً بغار حراء ليجتمع فكره وقلبه في الاستغراق في التفكير في صفات الله وأفعاله الدالة عليه.

  وورد عنه في السُّنَّة أشياء كان متصفاً بها، ويأمر الناس بفعلها. منها: الوفاء بالنذر، والمنع من نكاح المحارم، وقطع يد السارق، و النهي عن قتل الموؤدة، وتحريم الخمر والزنا، وأن لا يطوف بالبيت عرياناً. وهو أول من جعل الدية مائة من الإبل، فجاء الشرع مؤيداً لذلك ومقرراً.