[المقدمة]
  وأرشدهم إلى طرق التفكير الصحيح الذي سيوصلهم حتماً إلى معرفة الله تعالى، فمن ذلك قوله تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}[الطور ٣٥].
  هنا يخاطب الله العقلاء: هل خلقوا من غير شيءٍ؟ هل هم الخالقون لأنفسهم؟
  ولا شك أنَّ العقلاء جميعاً لا يقبلون واحداً من هذين الافتراضين، ولا يحتاجون في تفسيرهما إلى تفكيرٍ، بل يردون ذلك ببداهة عقولهم من غير تَردد ولا تفكيرٍ ولا نظَرٍ، وحينئذٍ لَمْ يَبْقَ أَمامَ العقلِ إلَّا أنْ يُصَدِّقَ ويؤمن بأن له خالقاً خلقه وسَوَّاه، شقَّ سمعه وبصره ... الخ.
  وهكذا كل ما يجده العاقل من المُحْدَثات، فإن العقل يفترض ثلاثة تساؤلات في تفكيره لا غير:
  - هل حدثت هذه الأشياء من غير شيء؟
  - هل أحدثت هذه الأشاء أنفسها؟
  - أم أحدثها مُحْدِثٌ؟
  ولا يجدُ العقلُ افتراضاً آخرَ يَفْتَرِضُهُ، بل يُحَتِّم عليه تفكيرُهُ أنْ يَختارَ واحداً من هذه الثلاثة التقادير، والافتراض الأخير - وهو أنه أحدث هذه المُحْدَثات مُحْدِثٌ - هو الذي يقبله العقل، ويطمئن إليه.