[الكلام على اشتراط العصمة]
  فإن قيل: هناك مسائل مستجدة، وأحكام شرعية لا يمكن الاحتجاج عليها بمثل ما ذكرتم، ولا سبيل إلى العلم بها على الإطلاق، وإنما غاية ما يتوصل إليه الناظر هو الظن بالحكم، وأنظار الناظرين تختلف من ناظر إلى آخر فيحصل في الحكم الواحد مذاهب متعددة كل مذهب يخالف المذهب الآخر، ولا يتبين الحق فيها إلا بقول المعصوم.
  قلنا: الواجب على العالم هو النظر والتحري والاحتياط في المسألة، ثم العمل بما توصل فيها، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها؛ فإن أصاب فبتوفيق الله، وإن أخطأ فلا جناح عليه لقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}[الأحزاب: ٥]، وعلى هذه الطريقة علماء الإمامية اليوم فإنهم يسلكون السبيل الذي ذكرنا.
  فإن قيل: لا سواء فالإمام إذا أخطأ تبعته الأمة في خطئه، وإذا ضل في نظره ضلت الأمة، وبذلك ينتقض الغرض المقصود بالإمامة، بل تصير الإمامة سبباً للضلال، والمفروض أنها سبب للهدى.
  قلنا: خطأ الإمام في حجج الكتاب والسنة الواضحة أمر مستبعد إلى غاية، وإذا فرضنا وقوعه على استحالته فلا محالة تنبهه الأمة والعترة $، وحينئذ فلا يقع ضلال ولا خطأ.
  أما احتمال خطأ الإمام في المسائل الفرعية التي لم تقم عليها حجج واضحة فخطؤه معفو عنه لعموم دليل العفو عن الخطأ، ولما روي عن النبي ÷ في عهده، وعلياً # في خلافته أمرا بالإفطار بعد الزوال في يوم عيد الفطر، وأمر الناس أن يغدوا إلى مصلاهم في اليوم الثاني.
  ولما روي أن النبي ÷ كان يحكم بالظاهر، وقد قال تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}[البقرة: ١١٥]، نزلت في الذين صلوا إلى غير القبلة في ليلة مظلمة.