15 - مسألة في المشيئة وجوابها
  مشيئة وإرادة حتم، وذلك ماوصفه الله سبحانه بقوله: {كونوا قِرَدَةً خاسِئينَ}[البقرة: ٦٥] كما شاء وأراد، وقوله: {إِنَّما قَولُنا لِشَيءٍ إِذا أَرَدناهُ أَن نَقولَ لَهُ كُن فَيَكونُ}[النحل: ٤٠] فهذه مشيئة واردة الحتم.
  والمشيئة الأخرى: مشيئة الأمر والإختيار، ويدل على ذلك قوله جل وعز: {كونوا قَوّامينَ بِالقِسطِ}[النساء: ١٣٥] فكان بعضهم كذلك ولم يكن بعض، وهذا القول عندنا حق غير أنه يحتاج إلى زيادة في البيان.
  وتلك الزيادة على فعل ماأمرهم به وترك مانهاهم عنه، ويدل على ذلك قوله جل ذكره: {وَقُلِ الحَقُّ مِن رَبِّكُم فَمَن شاءَ فَليُؤمِن وَمَن شاءَ فَليَكفُر}[الكهف: ٢٩] الآية وقوله: {إِنَّ الَّذينَ يُلحِدونَ في آياتِنا لا يَخفَونَ عَلَينا أَفَمَن يُلقى فِي النّارِ خَيرٌ أَم مَن يَأتي آمِنًا يَومَ القِيامَةِ اعمَلوا ما شِئتُم إِنَّهُ بِما تَعمَلونَ بَصيرٌ}[فصلت: ٤٠] فهذه مشيئة التخلية، وفيها وعيد شديد فمتى عملوا بمعاصيه فلم يشأ ذلك ولم يرده، ونهى عنه وواعد عليه وهو فعلهم لافعله، ومتى عملوا بطاعته فهو فعلهم دونه، ولهم على ذلك ماوعد من أطاعه وله من المشيئة والإرادة في ذلك مشيئة الأمر والإختيار، ومشيئة التخلية، وقد احتجت المجبرة والقدرية لمذهبها الفاسد بما لم نعقله.
  وذلك فقول الله جل ذكره: {فَأَينَ تَذهَبونَ ٢٦ إِن هُوَ إِلّا ذِكرٌ لِلعالَمينَ ٢٧}[التكوير: ٢٦ - ٢٧] إلى آخر السورة وقوله: {إِنَّ هذِهِ تَذكِرَةٌ فَمَن شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبيلًا ٢٩ وَما تَشاءونَ إِلّا أَن يَشاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَليمًا حَكيمًا ٣٠}[الإنسان: ٢٩ - ٣٠] ولهذه الآيات تأويل غير ماذهبوا اليه وضلوا