البساط،

الناصر الحسن بن علي الأطروش (المتوفى: 304 هـ)

15 - مسألة في المشيئة وجوابها

صفحة 159 - الجزء 1

  شَيءٍ نَحنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمنا مِن دونِهِ مِن شَيءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذينَ مِن قَبلِهِم فَهَل عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا البَلاغُ المُبينُ}⁣[النحل: ٣٥] وقال سبحانه: {سَيَقولُ الَّذينَ أَشرَكوا لَو شاءَ اللَّهُ ما أَشرَكنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمنا مِن شَيءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذينَ مِن قَبلِهِم حَتّى ذاقوا بَأسَنا قُل هَل عِندَكُم مِن عِلمٍ فَتُخرِجوهُ لَنا إِن تَتَّبِعونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِن أَنتُم إِلّا تَخرُصونَ ١٤٨ قُل فَلِلَّهِ الحُجَّةُ البالِغَةُ فَلَو شاءَ لَهَداكُم أَجمَعينَ ١٤٩}⁣[الأنعام: ١٤٨ - ١٤٩] فسبحان الله ماأبين حجته على القدرية المجبرة وأوضحها.

  قالوا لوشاء الله ماعصيناه فقال سبحانه: لو شئت أن أبلوكم على الهداية لكنت قادرا على ذلك، ولكن شئت أن أبلوكم أيكم أحسن عملا، وأختبر طاعتكم، بعد أن أعطيتكم الإستطاعة على ماكلفتكم ونهيتكم عنه، فلي الحجة البالغة ولرسلي مابلغوكم عني من البلاغ المبين، والحمد لله رب العالمين، فقالت المجبرة كما قال إخوانهم المشركون: لوشاء لله ماعصيناه، ولكنه شاء أن يكفر وأن نعصيه و {ذلِكَ ظَنُّ الَّذينَ كَفَروا فَوَيلٌ لِلَّذينَ كَفَروا مِنَ النّارِ}⁣[ص: ٢٧] وكل ماكان في القرآن من مثل قوله سبحانه: {وَلَو شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الأَرضِ كُلُّهُم جَميعًا}⁣[يونس: ٩٩] ومثل قوله {وَلَو شِئنا لَآتَينا كُلَّ نَفسٍ هُداها}⁣[السجدة: ١٣] الآية وهو كثير، فإنما ذلك إخبار منه لعباده بقدرته على إجبارهم لو شاء ذلك، ولكنه شاء اختبارهم وبلواهم بعد تمكينهم من أمره ونهيه فقال: {الَّذي خَلَقَ المَوتَ وَالحَياةَ لِيَبلُوَكُم أَيُّكُم أَحسَنُ عَمَلًا}⁣[الملك: ٢] قال: {ذلِكَ وَلَو يَشاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنهُم وَلكِن لِيَبلُوَ بَعضَكُم بِبَعضٍ}⁣[محمد: ٤] فأعلم أنه لم يشأ أن يجبرهم، وأنه إنما شاء بلواهم واختبارهم.