باب في وصف الهداية من الله ومن عباده
  بِإِذنِهِ وَيَهديهِم إِلى صِراطٍ مُستَقيمٍ}[المائدة: ١٥ - ١٦] وقوله جل ذكره: {وَأَمّا ثَمودُ فَهَدَيناهُم فَاستَحَبُّوا العَمى عَلَى الهُدى}[فصلت: ١٧] وقوله سبحانه: {وَما كُنّا مُعَذِّبينَ حَتّى نَبعَثَ رَسولًا}[الإسراء: ١٥] وقوله ø الذي بين فيه أكثر وجوه الهداية مما هو المنفرد بفعله ومما هو فعل العباد: {كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيّينَ مُبَشِّرينَ وَمُنذِرينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الكِتابَ بِالحَقِّ لِيَحكُمَ بَينَ النّاسِ فيمَا اختَلَفوا فيهِ وَمَا اختَلَفَ فيهِ إِلَّا الَّذينَ أوتوهُ مِن بَعدِ ما جاءَتهُمُ البَيِّناتُ بَغيًا بَينَهُم فَهَدَى اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا لِمَا اختَلَفوا فيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذنِهِ وَاللَّهُ يَهدي مَن يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُستَقيمٍ}[البقرة: ٢١٣] فهذه الهداية من الله هي هداية الدلالة والتبيين.
  وهاهنا هداية من الله سبحانه أخرى جزاء منه للمطيعين المؤمنين، الذين هم لما دلهم عليه وهداهم له وبينه لهم فاعلون، وهي مايزيده من أطاعه واتبع مادله عليه وهداه له بلطفه من شرحه لصدره، وفتحه لسمعه وبصره، وتذكيته لقلبه، حتى يزداد بصيرة في دينه ومعرفته ويقينه، قال الله سبحانه في بيان ذلك: {وَمَن يُؤمِن بِاللَّهِ يَهدِ قَلبَهُ}[التغابن: ١١] وقال في الآية التي تلوتها قبل هذه في سورة البقرة: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا لِمَا اختَلَفوا فيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذنِهِ}[البقرة: ٢١٣] فأخبر في أول الآية أنه هداهم هداية الدلالة في الإبتداء، وأخبر في الآية أنه هداهم هداية أخرى لماَّ أمنوا واتبعوا مادلهم عليه أولا.