[معاني الهدى]
  وقال جل ذكره في ذلك: {وَالَّذينَ اهتَدَوا زادَهُم هُدًى وَآتاهُم تَقواهُم}[محمد: ١٧] معنى ذلك: الذين فعلوا مادلهم عليه في الإبتداء، وبينه لهم من الهدى، زادهم هدى بما شرحه من صدورهم، وفتحه من أسماعهم وأبصارهم، حتى وقع بذلك منهم حسن اختيارهم.
  ومعنى {وَآتاهُم تَقواهُم}[محمد: ١٧] أي: آتاهم ثواب تقواهم كما قال جل ذكره في مكان آخر: {نُوَفِّ إِلَيهِم أَعمالَهُم فيها وَهُم فيها لا يُبخَسونَ}[هود: ١٥] وقال: {وَإِن تُطيعُوا اللَّهَ وَرَسولَهُ لا يَلِتكُم مِن أَعمالِكُم شَيئًا إِنَّ اللَّهَ غَفورٌ رَحيمٌ}[الحجرات: ١٤] معنى ذلك أجمع: أنه يوفيهم جزاء أعمالهم والله المعبود والمحمود.
  وهنا هداية أخرى من الله سبحانه وهي الحكم لمن أطاعه واتبع مادله عليه بالهداية، كما يقول القائل: هديت فلانا إذا فعل طاعة الله وأضللته: إذا فعل معصية الله أي حكمت عليه بذلك، قال الله سبحانه في بيان ذلك: {مَن يَهدِ اللَّهُ فَهُوَ المُهتَدي}[الأعراف: ١٧٨] لأن الله هدى الناس جميعا هداية بالدلالة والتبيين في الإبتداء فلا يقع في ذلك اختصاص لأحد دون أحد، وإنما يقع الإختصاص منه سبحانه لمن اهتدى واتبع مادله عليه فحكم له بالإهتداء، وهذا هداية أخرى واهتداء من أفعال العباد لما دلهم عليه وأمرهم به من طاعته واتباع مرضاته، وذلك فاهتداء من العباد لهم من الله عليه الثواب وجميل جزاء وكريم مآب، والهدايات الأولى التي قد تقدم ذكري أياها فهي أفعال الله للعباد ولاجزاء لهم عليها في الدنيا ولافي المعاد.