البساط،

الناصر الحسن بن علي الأطروش (المتوفى: 304 هـ)

[أقسام الإيمان]

صفحة 52 - الجزء 1

  فأما الإيمان الضار المذموم وأهله من ذلك: فهو الإيمان بالجبت والطاغوت وجميع الباطل، قال الله سبحانه: {أَلَم تَرَ إِلَى الَّذينَ أوتوا نَصيبًا مِنَ الكِتابِ يُؤمِنونَ بِالجِبتِ وَالطّاغوتِ وَيَقولونَ لِلَّذينَ كَفَروا هؤُلاءِ أَهدى مِنَ الَّذينَ آمَنوا سَبيلًا}⁣[النساء: ٥١] في أمثال لذلك من القرآن.

  وأما الإيمان الذي لا ضارا ولا نافعا، ولا مذموما ولا ممدوحا ولا أهله: فهو الإيمان الذي هو الإقرار والتصديق باللسان والقلب عندما يرى العبد بعض آيات الله التي ييأس مع رؤيتها من نفسه، ولا يمكنه اكتساب خير وعمل صالح، ولا يقبل له توبة مع رؤيته واستيفائه ما يتبين له من حضور الموت فيه، وعدم السلامة منه، وذلك فمثل إيمان فرعون حين أدركه الغرق فقال: {آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذي آمَنَت بِهِ بَنو إِسرائيلَ}⁣[يونس: ٩٠] فقال جل ذكره: {آلآنَ وَقَد عَصَيتَ قَبلُ وَكُنتَ مِنَ المُفسِدينَ}⁣[يونس: ٩١] ومثل إيمان من أّخَّرَه المرض فتبين له عدم الحياة، وعلم أنه ميت، ولم يطمع في النجاة الذين قال الله جل ذكره فيهم: {إِنَّمَا التَّوبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذينَ يَعمَلونَ السّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتوبونَ مِن قَريبٍ فَأُولئِكَ يَتوبُ اللَّهُ عَلَيهِم وَكانَ اللَّهُ عَليمًا حَكيمًا}⁣[النساء: ١٧].

  معنى قوله سبحانه: {بِجَهالَةٍ}⁣[النساء: ١٧] ليست الجهالة ضد المعرفة! ولكنها الجهالة بتعريض النفس لسخط الله، فإن العاصي لله يوصف بالجهل.

  ومعنى قوله: {مِن قَريبٍ}⁣[النساء: ١٧] أي لا يكون من المُصِرِّين على الذنوب وهم يعلمون أنها تسخط الله، فتكون حال هؤلاء حالا تغلظ تبعتها ويعظم ضررها.