معنى علم الله بكل شيء
  فنقول: قوله تعالى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}[الأنعام: ٥٩].
  هذا هو الدليل السمعي.
  وأما الدليل العقلي: فإن الله لم يعلم بعلم جعله له غيره حتى يكون مختصاً فيما جعل له كعلمنا، ولا يمكن إنكار علم الله، ولا سائر صفات الذات، لأن أفعاله الحكيمة قد دلت عليها، فلزم أن يكون قد استحقها لذاته، بمعنى: أنها من شأنه، ومن حقيقته كما أن من شأن الصدق مطابقته للواقع، والكذب مخالفته للواقع، لا يتخلفان عن حقيقتهما.
  فإذا كان العلم من شأنه ومن حقيقته، فلا يمكن أن يتخلف عنه فلو جهل بعض الأشياء، ولو شيئاً واحداً، فقد تخلفت عنه صفة العلم، فعلمه بشيء دون شيء تحكم، وتخصيص بدون مخصص فلا بد أن يعلم الأشياء كلها، أو يجهلها كلها، لأن علمه ليس بآلة خصصها له خالقها في أشياء محدودة، وكذا سائر الصفات الذاتية