[سبب عدم إظهار أبي طالب لإيمانه حتى صار (كمؤمن آل فرعون)]
  بل لو أكرهه الظالم على التلفظ بالكفر، فإنه يجوز له أن يتلفظ به.
  وقد أشار سبحانه وتعالى إلى هذا بقوله: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ١٠٦}[النحل].
  ومن هذا القبيل امتناع أبي طالب من الانقياد في الظاهر خوفاً على ابن أخيه، وهو سيدنا محمد ÷، فإنه كان يحميه وينصره ويدفع عنه كل أذى ليبلغ رسالة ربه، وكان كفار قريش يمتنعون من إيذاء النبي ÷ رعاية لأبي طالب ولحمايته.
  وكانت رياسة قريش بعد عبد المطلب لأبي طالب، فكان أمره نافذاً، وحمايته عندهم مقبولة، لعلمهم بأن أبا طالب على ملتهم ودينهم، ولو علموا أنه أسلم وتبع النبي ÷، فإنهم لا يقبلون حمايته ونصره، بل كانوا يقاتلونه ويؤذونه ويفعلون معه من الأذى أكثر مما يفعلونه بالنبي ÷.
  ولا شك أن هذا عذر قوي لأبي طالب مانع من إظهار الانقياد الظاهر والاتباع للنبي ÷، فلهذا كان يظهر لهم أنه على دينهم وملتهم وأنه إنما يدفع عن النبي ÷ لأجل القرابة التي بينه وبينه، وكانوا يعتقدون أنه إنا يحميه وينصره للحمية لا للاتباع في الدين، بل للحمية التي كانت مشهورة بين العرب، وقد كان في الباطن قلبه مملوءاً بتصديقه ÷ لما شاهده من المعجزات كما سيأتي إيضاح ذلك كله.